الوضع الحالي والسابق والمستقبلي على الحدود مع الجارة مالي لا ينبغي أن يكون مادة دسمة للسياسيين ولا لأغراضهم المتنوعة من حيث الشهرة واستغلال المواقف إن سلبا أو ايجابا ولا لهواة النشر والتدوين فالأمن الوطني والمعنويات خط حمر ولا مكان فيه للشائعات والخلافات والأحقاد لأنه مرتبط بنفسيات المواطنين والجنود المرابطين وسيادة البلد.
الخطوات و المواقف والقرارات عبر القنوات المعهودة للحوار بين الجارتين والتي ميزتها التجربة في حسن التقدير والتدبير وأخذ كل الاحتياط والجاهزية المطلوبة كلها عوامل مجتمعة عبرت عن المفهوم السليم للدولة التي تراعي مصالحها بشكل مستدام وتتحرى الصدق في القول والعمل بعيدا عن التهور والغرور الذي يعد نقطة ضعف أعتى الجيوش كما حدث مع العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة.
فلاضير مطلقا في أن تتواصل محاولات من بعض القوى المعتقدة أنها قادرة على تحريك المياه الراكدة بين البلدين من حين لآخر لكن معرفة التفاصيل لن تجر بالمطلق إلا ما يسعى إليه البعض من الفاعلين أو العملاء المأجورين.
فالحدود البرية التي تجمع بين الجارتين تمكن أن تكون مساحة دولة لأنها تزيد على 2200 كليومتر، وكانت إلى عهد قريب مرتعا لتنامي الحركات المسلحة والتهريب والجريمة و الاتجار بالبشر ومتنفسا للمخربين لكن ذلك لم يكن يوما سببا في شحن الأجواء لأن مستوى التنسيق وتبادل المعلومات المستمر كان دائما على مستوى عال من الحرفية والمهنية بما يخدم الطرفين.
فعلا حدثت بعض الاختراقات المتفرقة والمتفاوتة وغير المنظمة وإن كان الجانب المالي يعتبرها ضمن طائلة الأخطاء و التقديرات غير الموفقة لقادة بعض الفرق العسكرية المدعومة من قوات فاغنر المتعطشة لإطلاق النار وملاحقات بعض الجماعات المسلحة النشطة في المنطقة، الأمر الذي جعل فتح قنوات الاتصال الدبلوماسية بين البلدين تفعل أكثر بعد الخروج من مجموعة دول الساحل الخمس وتلى ذلك زيارة وزير الدفاع الموريتاني رفقة رئيس الاستخبارات العسكرية – ولذلك دلالات حول جسامة المهمة وجديتها من حيث الدفاع ودقة المعلومات – لتسليم رسالة من الرئيس الموريتاني رئيس الاتحاد الأفريقي للحاكم الانتقالي لباماكو ، وإن كان لخروج القوات “الفرنسية” من مالي واستبدالها بمقاتلي ” فاغنر” مصالح في توتير الوضع وهو ما تدركه القيادة الموريتانية العليا خاصة في الظروف الحالية التي تتسم بعدم الاستقرار والتهديدات الإرهابية.
فالعلاقات بين الجارتين تتميز بالتشابك والترابط، والخلاف من حين لآخر ، ففي الوقت الحالي تأوي موريتانيا منذ العام 2012 أكثر من عشرات آلاف اللاجئين المالين النازحين من أتون الحرب أنذاك ويتوقع أن يكون العدد قد وصل هذا العام إلى ربع مليون نسمة، فضلا عن اعتماد باماكو على ميناء نواكشوط في الاستيراد والتصدير مع ميزات خاصة تتعلق بالتفريغ والتخزين، واستقبالها عبر الطرق البرية الموريتانية شاحنات محملة بالبضائع قادمة من الجزائر والمغرب والعمالة المالية في مهن الحرف اليدوية والأعمال المنزلية.
ومقابل ذلك يعتمد المنمون وتجار المواشي في المناطق الشرقية المتاخمة للحدود على الأراضي المالية التي تتميز بالخصوبة والماء الوفير فضلا عن استيراد أعلاف المواشي وبعض المنتجات الزراعية، وتنشط في باماكو جالية موريتانية أغلبها من التجار ولهم استثمارات متنوعة.
وإذا ما تمت مراعاة المنافع المتبادلة بين البلدين، فإن مبدأ المصالح العامة يقتضي أن تبقى الأوضاع بعيدة عن التوتر والتجاذبات الأمنية، بشرط أن يكون ذلك قناعة تراعي مصالح الشعبين وعملا على توفير ظروف الانسجام والشراكة دائمة والمثمرة وأن لا يترك قادة البلدين بلدانهم ساحة لتسوية الصراعات الروسية الفرنسية أو الأوربية بالمعنى الأشمل.