السفير المغربي بنواكشوط يكتب عن مناقب الدكتور محمد المختار ولد إباه - رحمه الله

أحد, 03/05/2023 - 10:33

بعد مرور أربعين يوما عن رحيل المشمول بعفو الله ورضاه الشيخ الجليل محمد المختار ولد ابّاه، الذي لبّى دعوة ربه فجر يوم الأحد 22 يناير 2023، وجدت نفسي، كسفير لصاحب الجلالة بنواكشوط، أخط كلمات تأبينية للفقيد، ومهما حاولت لسرد مناقبه الشخصية فلن أوفيه حقه، فهو العالم الأب، الهادئ المتسامح، الملتزم بإنسانيته كما هو ملتزم بواجباته، حمل الأمانة بإخلاص، وأعطى جهده وخبرته وتجربته وحبه لطلبته ومحبيه، تمتع بخصال ومزايا حميدة جُلها من الإيمان، تميز بدماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب، وزاده التواضع احتراما وتقديرا ومحبة في قلوب الناس. وكان رحمه الله قدوة حسنة ونموذجا يحتذى به في البساطة والوداعة، والرقة والعطف، وعمل الخير والدل عليه، وطهارة النفس والروح، ونقاء القلب والعفوية والتسامح. 

 

لقد انطفأ برحيل العلامة محمد المختار ولد ابّاه مصباح من مصابيح العلم والتقوى والصلاح، وفقدت فيه موريتانيا والمغرب وكذلك العالم العربي والقارة الإفريقية والأمة الإسلامية قاطبة وأسرة العلم والعلماء عالماً ورِعاً وفقيهاً فذاً، كرس حياته لتدريس ونشر تعاليم الإسلام السمحة والمعرفة الشاملة، وساهم في تحصين الموروث الثقافي المغاربي والعربي والإسلامي، تاركا وراءه للمكتبة العربية والإسلامية إرثاً كبيراً من المؤلفات في مجالات مختلفة، ومُخلفاً مسيرة علمية وأكاديمية عامرة بالبذل والجهد والعطاء.

 

وإننا لنستحضر، بكل إجلال، ما كان يُكِنُّه الراحل المبْرور لبلده الثاني، المملكة المغربية، من صادق المحبة والوفاء والتقدير، وما كان يتحلى به من خصال المؤمنين الصالحين والعلماء المقتدرين، حيث كان، رحمه الله، وعلى مدى حياته الحافلة بغزارة العلم والعطاء والاجتهاد الفقهي المتميز، مثالاً للتقوى والوَرع والإخلاص لثوابت الأمة الإسلامية ولمقدساتها، لقد فقدت فيه، على وجه الخصوص، كل من الجمهورية الإسلامية والموريتانية والمملكة المغربية قامة علمية فذة، كرَّس حياته لترسيخ وشائج الأخوة المتينة بين البلدين الشقيقين، فكان فعلاً جسرا للتواصل ونشر المحبة الصادقة بين الشعبين المغربي والموريتاني.

 

ولا يفوتني، بهذه المناسبة، التذكير بما جاء في برقية التعزية والمواساة التي بعث بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، إلى أفراد أسرة المرحوم، والتي استحضر فيها، جلالته، مناقب الفقيد واصفا إياه بــ"الشخصية العلمية المقتدرة المشهود لها بالعطاء الغزير سواء في المجال الديني أو الثقافي"، مضيفا جلالته "وإننا لنستحضر، بكل إكبار، ما كان يكنه الراحل لبلده الثاني المغرب من صادق المحبة والإخلاص والوفاء المكين، وما كان يتحلى به من مناقب فاضلة وكفاءة علمية ومهنية عالية، أبان عنها في مختلف المناصب التي تقلدها".

 

وللفقيد، رحمةُ الله عليه، مكانةٌ في نفسي وقلبي، فقد عرفته، عن قرب، عالماً وقوراً وصديقاً وفيّاً وأباً ودوداً، وكنت كلما حظيت بشرف زيارته في منزله أُحس بالدفء والسعادة، ولا أغادره إلاَّ وأنا ناهلٌ من الفيض الرباني الذي حباهُ الله به، فالله عز وجل نسأله أن يتغمد الراحل بواسع رحمته وغفرانه، ويُجزيه خير الجزاء عما قدم بين يدي ربه من جليل الأعمال، وأن يُسكنه فسيح جناته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

 

ولا تفوتني، أيضا، هذه الذكرى دون استحضار دعوته الكريمة لي لزيارة قرية النباغية، سنة 2020، والتي كانت مناسبة لعرض صفحات ضاربة من تاريخ الأخوة والمحبة بين المغاربة والموريتانيين، فقد تركت في نفسي الأثر العميق بسبب الترحيب الكبير الذي خصَّصه لي شيخنا، رحمه الله، وجميع أفراد هذه القرية المباركة، سواء بخطب نثرية أو قصائد شعرية أو ولائم عامرة. ولا أُخفي أنني كنت أحس، خلال تلك الزيارة، بأني متواجد بين أهلي وأحبابي، وهذه المشاعر، وبكل صدق وأمانة، أحس بها منذ وطئت أقدامي أرض موريتانيا الطيبة. 

 

وختاما، أجدد لأفراد أسرته وأبنائه كل باسمه ولسكان النباغية وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الجليل العلامة محمد فال ولد ابّاه، ولكل أصدقائه ومُحبيه وطلبته، ومن خلالهم لكافة الشعب الموريتاني الشقيق، قيادة وحكومة وشعبا، خالص التعازي وصادق المواساة في هذا الرزء الفادح، الذي لا راد لقضاء الله فيه، سائلا الله عز وجل أن يُعوضنا عن فقدانه جميل الصبر وحسن العزاء.