لا شك أن القضاء والاعلام هما الوجهان - من منظور الحداثة - لرافعة واحدة تقوم الدول بأدائها المزدوج على أسس مقاومة لكل عوامل الضعف والاهتزاز.
هذه الحقيقة أدركها مبكرا رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني فوعد أثناء حملته الانتخابية بإصلاح قطاعي الإعلام والقضاء. ولقد أبان بهذا الحس الجمهوري الرفيع عن وعي متقدم بـ"محوريتها" في عملية التصحيح التي سيتحتم عليه القيام بها بعد الفوز في الاستحقاقات الرئاسية.
كما أنه كان واعيا أيضا بأن نجاح هذين القطاعين هو الضمان المؤكد لدحر قوالب "التخلف" التي مازالت قائمة تقوض كل مجهود يريد تحقيق دولة القانون والمواطنة ويسعى إلى ضمان قيام البناء بمقدرات البلد الكثيرة والمتنوعة، والقدرات الوطنية المخلصة وصولا إلى تحقيق الازدهار وتأمين العدالة وإحقاق المساواة في الاستفادة من خيرات البلد.
تلكم هي القوالب من زمن ولى التي تنتج من داخلها كل أسباب الإخفاق وتديم بأساليبها الظالمة جميع أوجه الاختلالات المجتمعية التي تحمي أصحابها من المستبدين والمفسدين والمنافقين والمتزلفين والحربائيين، ومن دعاة التمزق وثقافة الانكسار أمام أقطاب القوى التسلطية.
وهي "القوالب" الخطيرة التي مازالت راياتها خفاقة وجيادها سريعة ونبض أهلها حيا متسارعا عند كل منعرج يلوح في الأفق منه سعيٌ لتحول أو إرادة لتصحيح. وأول هذه القوالب هو "القبيلة" التي حولت من إطار مجتمعي إصلاحي إلى "القبيلة" التي تصنع الطبقية المقيتة وتؤهل قياداتها في مدرسة "الانحراف" عن :
- القيم إلى الكفر بها من خلال تحوير جوهرها العملي والإبقاء على النظري منها في سفر المنظومة اللفظية الموزونة المثبتة في المشاعر الخارجية للحمية الجاهلية،
- والصف الجامع إلى الأحادية،
للقبلية بهذا "المنتج" الذي تضخه بعد تعليمه وإعداده ودفعه إلي كل المحافل السياسية والسلطوية حضور طافح وصوت صاخب تحقق به مآربها الضيقة كما تفعل الدول العظمى في صناعة وإعداد مخابراتها، مع الفارق العظيم أن الأخيرة تصنع وطنيين بهذا التوجه درعا وحماة للوطن من الطراز الأول تبقى أسماؤهم بعد أن يقضوا خالدة في الذاكرة الوطنية الحية، وأما بلاد التناقضات الكبرى فتصنع الشقاق وتزرع الحيف والغبن أكثر وتقوض أركان البناء وتبدد خيرات البلد وتزيد الهوة بينه وبين كل دول العالم وتؤخره أكثر عن ركب الأمم.
وإن المتتبع لصفحات المجموعات والمنصات وبوابات المواقع الالكترونية ونوافذ وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها يلاحظ اليوم حتما أن استقلالية القضاء بدأت تتجسد على أرض الواقع ويرى المتهمون وهم يساقون بلا حماية من قبيلة أو عشيرة أو شريحة أو مجموعة نافذة. ولكن الأكثر ظهورا على إثر هذه "السابقة" العظيمة وأشد لفتا للانتباه هو ما حصل من تقاصر "المنافقين" و"المتزلفين" عن تأييد هؤلاء وتزكية أعمالهم وتقديس أشخاصهم. إنه العدل يصدهم عن ذلك ويرهبهم بقوته التي لا تقبل الباطل ويحذرهم ألا يفعلوا.
وأما الإعلام الملتزم، فإنه بحريته وجرأته ونزاهته، هو الرادع القوي الملاصق للقضاء المستقل لصد الظلام بنور الكشف عن الحقائق ونشرها ليأخذ العدل مجراه فيحق الحق ويحاكم الباطل.