
عدت لتوي قادما من الكوكب الآخر من أرض الساموراي " اليابان" بلاد " نيهون " الشمس المشرقة ومجمتع البسمة والدقة والتنظيم ، حيث حضرت أنشطة مؤتمر طوكيو الدولي السابع لتنمية إفريقيا " تيكاد7" المنعقد بمدينة يوكوهاما اليابانية مابين ال 28 و30 اغسطس المنصرم ، والذي شاركت فيه قرابة 42 دولة أغلبها من القارة السمراء . وكان النشاط فرصة حقيقية لحوار جدي بين اليابان وبعض هيئات الامم المتحدة من جهة والقادة الأفارقة من جهة أخرى. وهكذا وفرت الحكومة اليابانية فرصة جديد للقادة الأفارقة لتدارس أهم القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بشكل عام والمطروحة بإلحاح لبلدانهم حيث تم في إعلان يوكوهاما المتوج لإختتمام أشغال المؤتمر توقيع 110 إتفاقيات تفاهم تتمحور في المجمل حول الدعم الياباني للبلدان الافريقية في مختلف الميادين التعليمية والثقافية والصحية والمالية والاجتماعية والاقتصادية بشكل عام والأمنية وغيرها من المجالات الحيوية الهامة ...كما بينت دولة اليابان خلال المؤتمر إستعدادها التام لدعم الجهود التنموية للحكومات الافريقية والتنسيق الدائم معها للمساهمة في رفع تحديات التنمية في هذه البلدان . وكانت المناسبة ايضا فرصة لإستكشاف شعب وأمة تميزا بالعراقة والثقافة والتقنية المتميزة ، ففي هذا البلد الرائع ، والذي يبلغ عدد سكانه نيف وعشرون ألف مع المائة وعدد المركبات فيه هائل بشكل يلفت الانتباه مابين مركبات تسير يسارا عكس مألوفنا وقطارات يتجاوز سرعة بعضها ال 300 كيلومتر في الساعة ، فلن يفوت الزائر لمدن اليابان المزدحمة مع كل هذا إنسيابية المرور وسلاسة الحركة سواء تعلق الأمر بهذه المركبات أو بالراجلين من المارة الذين يسعون في مدن تأوي عشرات الملايين من البشر مثل مدينة طوكيو مثلا ، لمتابعة مهامهم اليومية من شغل وتسوق وترفيه . وعلى الرغم من التضاريس الجبلية لهذه البلاد والكم الكبير للجزر والمنحدرات والمرتفعات التي تطبع أرض " نيهون " فإن أحياء مدنها تميزت بهندسة معمارية تبرز عظمة هذه الأمة والمستوى العلمي والتقني الذي وصلت إليه ، حيث تصطف العمارات الشاهقة آخذة صورة قلمية بديعة مزينة لأحيائها مع تخطيط عمراني يظهر عبقرية المهندس الياباني والفنية الفذة التي رسمت طرق تلك الأحياء على شكل جداول وأخاديد طبيعية وكأنها لوحة فنية صممت بعناية لكسب الفوز في معرض عالمي لرسامين دوليين. وستلاحظ في زيارتك لبلاد "الساموراي" تشبثهم بالحياة ورقي التعامل البشري في أبهى صوره ، فطقوس السلام تستوجب منهم الإنحناء لك والجمع بين الكفين للتعبير عن الامتنان بلقائك والترحيب ولن يناولك الياباني الأشياء إلا بيديه الإثنتين وحتى لو كان الأمر يتعلق بورقة صغيرة كالتي تحمل الإسم والعنوان ، وبمجرد إشارتك بالرغبة في المساعدة لن يتردد من هم حولك في الاستجابة السريعة وخدمتك بلطف وتوزيع بسمة توحي بأمل في هذه الحياة الفانية ، ليزرع لك الأمل فيها ، وليظهر هذا الشعب المعطاء تمسكه بالحياة فهم يحبونها للغير كما يحبونها لأنفسهم ، فقد تستغرب أن دولة بعظم اليابان لاتمتلك جيشا وإنما قوات دفاع في حالة هجوم ، فالحياة بالنسبة لهم أولى . ومن مظاهر تشبثهم بالحياة تعاملهم في العادات بحذر مع الرقم أربعة الذي يرمز للموت أو يعطي معنى لذلك . وحتى التفطيح الياباني يظهر رقيا قل نظيره ويؤكد تمسك هذا الشعب الدائم بهذه الحياة ، فرغم منحهم حق ممارسة هذه الهواية لممارسيها وعدم تضييع فرصة تسلية جمهورها فإنها تتم في ظروف أمنية تعزل صاحبها عن جمهوره لمنع الأذى عنه في حالات الانزلاق وعدم التحكم في المركبة حيث يتمتع الجمهور في أماكن آمنة مفصولة عن ساحة التفطيح التي تحاط بأسوار أو جدران تحشر المخاطر بعيدا عن المتفرجين . وفي اليابان ستجد أن للوقت معنى ، حيث يتم التعامل في الحياة بتوزيع دقيق لكل حصته حسب الأهمية وأولوية النشاط فالصدفة بالنسبة لهم من شرعة الغاب ويكون تطبيق الإلتزامات تبعا لجدول زمني يقدس منح الوقت في تدرج الاولى في صياغ كسب الأوان لذلك ستشعر دون شك وانت في هذه الربوع أن ضياع الوقت في خبر كان . وستلاحظ بشكل مُلفت هدوء وسكينة وأمنا وانت تتنقل بين المدن وفي الأحياء ، فضياع الأغراض وسرقتها لا تعرف مكانا لها في هذه الأرض التي جبل أهلها على الوفاء والإخلاص على هدي نبل محاربيهم القدماء " السامراي " فسيكفيك مجرد الإحتفاظ بالعنوان إن قدر لك نسيان أمتعة أو أغراض وقد تصلك أحيانا قبل تذكرها بمجرد إطلاع أحدهم عليها ولن يمنعها الوجود بين يديك إلا ضبط مكان تواجدك أو العامل الزمني المفروض لوصولها إليك . وفي كلمة حق فإن للشعب الياباني من الميزات مالايتسع المقام هنا لذكره ، فعلى الرغم من كون هذا البلد أرض براكين وزلازل وتعرض دائم لموجات ساحقة من أتسونامي لاتبقى ولاتذر فإن اليابانيين يظهرون في كل مرة قدرتهم على التفوق والتمسك بالحياة وأخذ ناصية العلم والتكنولوجيا وتطويع الطبيعة لصالح الإنسان ، فقط لأنهم ، حسب رأيي المتواضع، آمنو بالبقاء وسبل توفيره واستهداف الانسان كوسيلة وغاية وأخذ ناصية العلم والاستفادة من تراكم التجارب الإنسانية والعمل بجد على تحقيق الأهداف ...