تعليمنا إلى أين؟ محمد الرباني أستاذ جامعي دكتوراه في الإصلاحات التعليمية من جامعة JEAN Moulin Lyon III

أربعاء, 01/23/2019 - 21:55

كانت مسيرة مظفرة حافلة بمكونات شعب أبي أراد لنفسه العيش و التعايش في أمن و أمان. كانت كذلك مسيرة حاشدة كشفت خبايا وخفايا مكونات المعارضة التي بحت وتنحت أيام حمل أعلام النصر. لقد كانت الدعوة دعوة وطنية للم الشمل وجمع الشتات في عصر احتدمت فيها الأنانيات واشتدت العصبية و التغني وبالأعراق فتصاعد التطرف في كل أنحاء العالم يحدوه ركب العولمة وتسلط السواق والجري وراء المصالح الخاصة بأنانية وقحة. لذا انتخبت أمريكا نهارا جهارا الرئيس اترومب ووصلت مارين لبين في فرنسا الى الدور النهائي في الرئاسيات واستفحلت أصوات كاتالونيا و ارتفع اليمين المتطرف في هولندا و أسوسيرا وكل البلاد الأوروبية تقريبا.....ولكننا استثناء من كل هذا و لا نريد دروسا من هذا و لا ذاك. عجبا من هذه المعارضة لا يهدأ لها صوت حين تبرمج الانتخابات وحملاتها ولا تسمع لها ركزا أيام المصلحة العامة ونداء الوطن. أما كان على المعارضة أن ترفع صوتها منادية بمحاربة الكراهية وخطاباتها وأن تتحمس إذ كانت وطنية أو إن كانت وطنية لصد أي تهديد لوحدتنا الوطنية بدل تصيد الكراسي النيابية أو الرئاسيات.... كانت المسيرة حملة لمصلحة الشعب وللشعب وليست حملة باسم الشعب. ولكي لا تتوقف المسيرةعند هذا الحد فإن رئيس الجمهورية جعلها مسيرة لإطلاق حملة علمية تركز على التعليم ثم التعليم ثم التعليم... لأننا نريد لمجتمعنا العربي الإفريقي المسلم أن يرقى ويتقدم بالعلم والتعلم للتتكسر الفوارق الاجتماعية التي بدأت اليوم تتكسر بقوة وبدأ سيد الأمس يصبح مسودا اليوم حين يرفع العلم والتعلم المستحق بغض النظر عن مكونته الاجتماعية. لقد انتهز رئيس الجمهورية هذه الفرصة وطالب الموريتانيين بالتعليم و التعلم بجد و مثابرة وإخلاص لتجاوز العقليات القديمة وولوج الحضارة والتقدم من بابهما الواسع وهو نداء يترجم غيرة رجل ضحى في سبيل هذا الوطن ومن أجل هذا الوطن وها هو يتنازل عن السلطة بمحض إرادته تاركا الباب واسعا لاختيار من تمكنه صناديق الاقتراع للوصول الى كرسي القيادة وهو موقف آخر يستحق الإشادة والإجلال والتقدير. في هذه الظرفية إذن التي نادي فيها رئيس الجمهورية بالتوجه نحو العلم والتعلم و نتيجة الى أن دور السياسي حسب جان أبيير كوك Jean Pierre Cuq أن يطلق التوجيه ويعمم القرار وأن على مهندسي العملية التربوية من أساتذة و مفتشين و مربين أن يقوموا بمتابعة النسق المعماري حتى يتم البناء ويكتمل على أحسن وجه ضمن الإطار وتمشيا مع هذه التوجيهات نتقدم بهذا المقال إسهاما في الكشف عن متطلبات تعليمنا. ما المدرسة؟ ما التعليم؟ ما أركانه وأسسه؟ ما العيوب التي ينطوي عليها؟ كيف نتغلب على المعوقات التربوية كلها أو بعضها؟ بكلمة واحدة، كيف يتم إصلاح التعليم؟ ما يفتأ المتردد على المحافل العامة والصالونات، يسمع بين الفينة والأخرى انتقادات لاذعة موجهة إلى تعليمنا أولا وحملة الطبشور ثانيا، قد نتلذذ بذلك فنردده دونما قصد وفي غير ما محل، وقد نستاء منه كآباء أو أساتذة أو أطر أو سياسيين أو مواطنين غيورين على هذا الوطن وعلى تعليمه. الحقيقة تقال، فبالرغم من الإمكانات الهائلة التي ضختها وتضخها الدولة كل سنة في تعليمنا رغبة في إنشاء مؤسسات تعليمية ذات هيبة على غرار مؤسسات التعليم في العالم وتكوين مكونين أكفاء وطلاب وخريجين مهرة، ما يزال تعليمنا يتعثر ويتلكأ غير قادر على الوقوف على قدمين، كي لا نقول عنه إنه يتخبط في دمائه كدجاجة مذبوحة!؟. فمم يشكو تعليمنا؟ التعليم، معلم يملي وطلاب يستمعون اجتمعوا جميعا في مكان معين، هو المدرسة ومن أجل هدف معين، هو تحصيل العلم. عناصر العملية إذن هم: المعلم والمتعلم والمادة العلمية وطريقة تقديمها وكيفية ذلك ووسائل يبنى بها كل هذا. الحمل موجود بالأرض وجميع العناصر المعنية به، عاجزة عن حمله وهي تتدافع الكرة وتتبادل التهم. - كل المشكلة في المعلم، علما ومنهجا ومادة وحضورا يقول لك الآباء والتلاميذ؛ - لا الطلاب طلاب ولا الأهل مقتنعون بالمدرسة ولا الوزارة تسخر الإمكانات اللازمة يخاطبك المعلم. - أعددنا كل العدد ووفرنا الكتاب المدرسي وحولنا طاقما كافيا ولكن الآباء والتلاميذ هم كل المشكل حسب تعبير الوزارة، وهكذا... فمن أين جاء الخلل؟ كل تعليم لابد أن تتوفر فيه بعض الخصائص العامة وهي: - توحيد التعليم لتوحيد المؤسسة الاجتماعية. - تخطيط تربوي سليم لسياسة تربوية سليمة. - تكوين مكونين أكفاء. - مراجعة البرامج وتكييفها. - ضبط المناهج وتيسيرها - ووسائل بواسطتها يتحقق كل هذا. كل هذه الحلقات بثقلها وتمفصلاتها موصولة ببعضها البعض موجهة لركن أساسي هو لب الحدث ومرتكز العملية التربوية وهو التلميذ، فالبرامج والمناهج والوسائل والفلسفة التعليمة وحتى المعلم كلها مسخرة وميسرة لخدمة المتعلم لتحقيق الهدف المنشود وهو: التكوين وتحصيل العلم، فإذا كان المتعلم غير مهيأ فكريا ونفسيا للعملية وغير متحفز لها ترهل البناء ورجع الجميع صفر اليدين وتحولت العملية التربوية إلى باطل في باطل، فبدون هذا التحفيز الذي هو غير آني وإنما هو تحفيز مآلي، تحفيز نجاح في الامتحانات يتبعه فلاح في الحياة، لن نتمكن من تأسيس تعليم حقيقي. تعليمنا اليوم يشكو من خمسة عيوب أساسية: 1) أنه تعليم موسوعي يقوم على التحصيل العشوائي وعلى معلومات مبعثرة ومشتتة لا رابط بينها ولا تساعد في بناء حياة علمية أو عملية، فالهدف أن تكون لديك معلومات فقط ولو أصبت بتخمة ثقافية. 2) هو تعليم يفتقد المنهج بحيث أن المعلومات غير منتظمة وغير منظمة وغير تراتبية وهي في الغالب تسيطر على صاحبها بدل أن يسيطر عليها ولا تنعكس على حياته الميدانية أو سلوكه في الحياة، وما قيمة علم لا ينفع. 3) هو تعليم يعتمد على الحفظ والاستظهار وهو ما قتل في شبابنا ظاهرة الابتكار والاختراع والصياغة من جديد وإعادة التركيب، بكلمة واحدة، الحفظ ينافي الفكر الخلاق، مع ذلك ما زلنا نطبل للذاكرة والحفظ ونطلق على صاحبها دون كبير عنا