بالأمس كنا نعرفهم بإطلالاتهم في القنوات مثمنين ما أنجز ومجددين ولاءهم اللامشروط للنظام، ومتطلعين إلى ثقته... كانوا يخرجون من القناة لتستمر السهرة أمام جهاز الكمبيوتر يؤلفون المعلقات ويدفعون مقابلها لتنشر باكرا في المواقع.. وبذلك يعملون في "تقريظ" النظام 24 ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع.. مثل محطات البنزين... واستمر "ستاكانوف" في زيادة إنتاجه الصائت والصامت حتى فاز بالميدالية.. الوزارة. ومثل كل الميداليات، كان للوزارة وجهان؛ وجه الثقة، ووجه استحقاق الثقة.. يظهر الأول بالفراسة، ويصقل الثاني بالممارسة.. تأتي الممارسة لتصدق الفراسة أو تكذبها... وفي حالتنا هذه صدقت الممارسة خطأ الفراسة، فذهبت الوزارة ليعود "ستاكانوف" "كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا..."؛ فانقلب التثمين تسفيها، والمعلقات هجائيات تنشر في المواقع بالمجان شفقة على "وزراء سابقين"، أو بالإقراض انتظارا لأجور "خادمات عاملات"... وفي كل الأحوال سقطت "الكرامة والاحترام"...
كان الوزراء السابقون ينسحبون بهدوء فيصبرون على "La traversée du désert" حتى "يستدعوا إلى مهام أخرى" "فخلف من بعدهم خلْف" يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.. ويلمزون في الوظائف فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون. "ولولا خوفنا من التجريح والتعريض...لبسطنا القول في هذا ولقدمنا فيه بعض الأمثلة الصحيحة الصريحة". تلك الأمثلة التي حملها سخطها على ادعاء.."خسارتنا لمليارات الدولارات القطرية..."!!! متى كانت قطر تنفق المليارات إلا على الإرهاب قصد تدمير الدول ليمر منها أنبوب غاز، أو يستولى فيها على بئر نفط؟ أين هي المشاريع بالمليارات التي مولتها قطر!!! أكبر مشاريعها في بلادنا مستوصف، وهيئة خيرية تابعة لإخوانها نظمت مهرجانا يتيما للإنشاد في الملعب الأولمبي. قد تكون قطر أدخلت سرا أموالا اشترت بها فريقا تلعب به في السياسة كما تلعب بباريس سين جرمان، ولا يعلم حقيقة ذلك سوى لاعبو الفريق، أو احتياطيوه في إيرا، فمن أيهما استقى الأكاديمي أرقامه الدقيقة (خمسة مليارات تقريبا)؟
يدخل "الوزير السابق" في تنافس وظيفي مع "الخادمات العاملات"؛ فيندد ب"استيراد الخادمات العاملات في البيوت..." ويقترح بدل ذلك.."تعويض العقود الممتازة المتعلقة بعمالة الصف الأول [يقف العملاء في صف واحد] كالباحثين والأساتذة الجامعيين..." في هذه صدق الوزير انطلاقا من توجهه الجديد. فالرئيس يمارس التمييز الإيجابي لصالح الفئات الهشة. وما دام الوزير يتردد في الإنتقال إلى الضفة الأخرى فلا بد أن يدعو للتمييز لصالح "عمالة الصف الأول كالباحثين والأساتذة الجامعيين" وهو على رأسهم، فأين يصنف الوزير أطروحته هذه في "المشروع واللامشروع في نضال لحراطين"؟ وفي تيه البحث عن الحقوق يرى الوزير أن بلادنا تستحق على أشقائنا "وضع الدولة الأُوْلى بالرعاية..." ولو ترك الوزير الحركات العلنية والسرية لكان الأًوْلى به في الكتابة، والأرفق به في الوزارة...
"صحيح أن المرء يرزق على قدر همته،..." وهمة الوزير السابق وقفت به عند منافسة "الخادمات العاملات" في سوق "العمالة" عند الأشقاء. وهذا ما يقتضيه تموقعه الجديد. فإذا كان رئيس الجمهورية يرفض التسول فينجز المشاريع الكبرى اعتمادا على مواردنا الوطنية، فإن الوزير السابق الذي يتردد في الانتقال إلى الضفة الأخرى، يرى من "علو الهمة" أن نزاحم على الأبواب تسولا لاستثمارات، ونبيع سيادتنا للحصول على "...مشاريع...حتى ولو كانت بإشراف..."دولة شقيقة!!!
يتحدث الوزير السابق عن "التناغم" وهو أمر رائع يمكن أن يحصل بين عقود "العمالة" سواء كانت من الصف الأول "كالباحثين والأساتذة الجامعيين"، أو من الصفوف الخلفية "كالخادمات العاملات"، فسوق "العمالة" تقبل كل العروض... لكن الوزير يشغل نفسه عن عروض العمل بمتاهة التناسب الطردي بين "الوعي السياسي" و"الإرادة السياسية" ليعود بذلك إلى مقاعد الدرس في الجامعة التونسية حيث حضر "Doctorat unique " في فلسفة السياسة؛ التخصص الأرفق بطلاب الشهادات... تنتهي المقالة السياسية مثل حورية البحر حين تنفي الإرادة السياسية عن النظام الذي عينه وزيرا ويسندها إلى سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي يجمع الموريتانيون على أنه يفتقر إلى الإرادة " Tout court"!!! فالإرادة السياسية لهذا النظام هي التي أكدت على تجريم العبودية فنصبت لها محاكم خاصة، وأقرت مبدأ التمييز الإيجابي فأنشأت وكالة التضامن لتقضي على "مفارقات الحياة... في آدوابه"، ولتربح "الدولة ملف العبودية" الذي ظلت الأنظمة السابقة وبعض الحركات "السياسية والحقوقية" تتاجر به... وها هو وزير سابق يضعه في سيرته الذاتية بحثا عن عقد من الدرجة الأولى في سوق "العمالة"...