يَـبْـدو أن فهم التعديل المُرتقب على العملة الوطنية مُستعصيا على جُـل المواطنين الموريتانيين، فربما كان من اللازم إعطاهم مدة زمنية أطول من 32 يوما لإستيعاب محتوى التعديل، والإطمئنان له.
حيث أن إعلان التعديل جاء فى خطاب السيد الرئيس بمناسبة الإستقلال الوطنيى فى 28 نفمبر الماضى، ومن المنتظر تطبيقه فى فاتح السنة الميلادية 2018. وحسب إستطلاعى للرأي فإن الإختلال الحاصل فى فهم المواطنين الموريتانيين لمحتوى هـذا التعديل ينم عن خوف من أن يجلب هذا التعديل معه سلبيات تؤثر على الإقتصاد الوطنى مثل إنخفاض العملة الوطنية، أوإرتفاع الإسعار، أوإضعف القوة الشرائية للمواطن إلى آخر القائمة.
وهـذا الهاجس نابع أساسا من خوف المواطن من تطبيق محتوى التعديل عليه بصورة إنفرادية.
أي أن العامل البسيط الذى لا يتجاوز راتبه الشهرى 40.000 أوقية فى الوقت الراهن، فهم أنه بموجب التعديل المرتقب، سيصبح راتبه 4000 أوقية فقط، ولكنه ما زال يساوره شكٌ أن بائع الخبز وبائع اللحم وسائق التاكسى قد يحاولون الإحتفاظ بالأسعار القديمة (السعر قبل تعديل العملة) مقابل سلعهم وخدماتهم.
والذى غاب عن المواطن الذى يفكر على هـذا النحو هو أن التغيير(الشكلى) الحاصل لا ينطبق فقط على العملة فحسب بل يشمل هـذا التغيير تغييرا (شكليا) فى أسعار السلع والخدمات كلها.
أي أن ما كان يؤخد ب 1000 أوقية (قديمة) سيصبح يؤخذ ب 100 أقية (جديدة).
ولهـذا فلا مبرر لخوف أي مواطن من هـذا التعديل لأنه لن يضر أحدا، ولم يوجد أصلا من أجل ذلك.
ومن المعروف أن الإنسان كان يستخدم أسلوب المقايضة قبل توصله إلى ما يسمى الآن “بالعملة” سواء كانت نقدية أم ورقية، وكان يتم من خلالها عملية المقايضة تبادل السلع والخدمات بدون إستخدام أي شكل من أشكال العملات.
إلا أن عملية المقايضة كانت تقتضى وجود وحدة لتسهيل عملية التبادل، وكانت عادة هـذه الوحدة أصغر سلعة متداولة فى السوق.
فمثلا: كانت وحد التبادل فى بعض المناطق إما “مُـدا” من التمر أو من الشعير إلى غير ذلك ، وبهـذا يحدد الناس ثمن سلعهم أو ممتلكاتهم مثل المحصول الزراعى، والحيوانات إلى غير ذلك من خلال تقييمها “بِـمُـدْ” الشعير أو “بِـمُدْ” التمر.
رحم الله محمد ولد أحمد يوره لم يقيم إبتسامة معشوقته بالأوقية ولا حتى بالدولار ولكنه بدل ذلك قيمها بمُـدْ من العيش ولكنه ممللوحا وميدوما: يقول رحمه الله:
خود تُـنسى بِـمرآها إذا أبْـتَـسمت****مــــدًا من العيش مَمْلوحا وميْدوما.
ومن الواضح أنه خلال عملية التبادل هـذه لم يكن من الضرورى وجود “مُدٍ” من الشعير ولا حتى حبة شعير واحدة، وإنما كان التبادل يتم فى غياب تام لوحدة التبادل هـذه.
فمثلا يمكن قولُ أحدهم أبيع حصانى هـذا بما قيمته “500 مُـد من التمر” فيتبادر إلى ذهن الآخر أنه يمكن أن يأخذ الحصان بدفع خمس بقرات إذا كانت البقرة آن ذاك تساوى 100 “مُـدْ من الشعير”.
ولتوضيح الفكرة أكثر فإن البضاعة الرخيصة آن ذاك قد يحتوى سعرها على أقل من “مُـدٍ” مثلا 2،5 “مُدْ” أو مُدًا وثلاثة أرباع المُدْ إلى غير ذلك. وبنفس الأسلوب جاءت أهمية ما يسمى “بالإحداثيات النقدية” أي النقد الذي هو أقل من أصغر وحدة نقدية، فبالنسبة للدولار الأمريكى مثلا فإن إحداثياته هي”السنت” وهو واحد من مائة من الدولار الواحد.
وللتذكير فأنه عند إنشاء العملة الوطنية سنة 1973 كانت هنالك وحدة هي أصغر وجدة للإوقية حيث أنها تساوى خُمْسَ أوقية، ومع ذالك لم تسمى هـذه الوحدة “بالأوقية” بل سميت “بالففتن” ، وهي فى الواقع تشكل إحداثياتٍ للأقية . ومن الواضح أنه لو كان مسؤولو البنك المركزي فى تلك الفترة أطلقوا إسم “الأوقية” على “الففتن الواحد” لكان ما عُـرِف “بالأوقية” ، خمسة أواقى، وما عُرِف بالعشرة أواقى، خمسون أوقية، ولكان ما كان يُعْرف “بمليون أوقية – خمسة ملايين أوقية، وهلم جرا. إذن فمن الواضح أن مسؤولى البنك المركزى إرْتأوْ الآن سحب إسم الإوقية من خمسة “أفتاتن” ويريدون إعطاءه”لخمسون ففتنا” أي ما كان يعادل عشرة أواقى. ومن الجدير بالذكر أنه كان بإمكانهم إعطائه “لخمس مائة ففتنا” أي ما يعادل مائة أوقية حاليا .
ومن هنا يتضح أن تحديد قيمة العملة، حسب “إحداثياتها” ، يتم عادة حسب حجم التبادل داخل الدولة أو مجموعة الدول المتحدة. وجرت العادة أن يطلق إسم العملة على أصغر وحدة يمكن إستخدامها لإقتناء شيئ ما أما الإحداثيات فتستخدم عادة فى تحديد الأسعار.فمثلا يتم تحديد سعر البنزين ب 1،2 دولار أي دلار وعشرون “سنتا”. ومن الطبيعى أنه عندما تزيد الثروة فى بلد ما فإن حجم التبادل ، فى الداخل ومع الخارج، لا بد أن يزيد ، ولهذا السبب تولد الحاجة لإستخدام وحدة للتبادل أكبر من سابقتها، حين كان حجم التبادل ضعيفا نسبيا. وأعتقد أن حجم التبادل فى السوق الموريتانى زاد بمافيه الكفاية لأن نختار وحدة أكبر من سابقتها. وقد إختار مسؤولو البنك المركزي، بعد دراسة ومشاورات مع الأطراف المعنية “خمسون ففتنا” بدل “خمسُ أفتاتنْ” أو حتى “خًمسُ مائة ففتنْ” لكى يحمل إسم عملتنا “الأوقية”. والعارف لدور العملة بصورة عامة يجب أن لا يربكه هـذا النوع من التغيير الشكلى للعملة. حيث أن العملة بصورة عامة هي أدات للتبادل ولا قيمة لها ما لم يحصل إتفاق على قيمة لها تسمى بالقيمة الرسمية أو العرفية .
د. السالك ولد السنهوري