من حين لآخر تتعالى أبواق تدعي المهنية والجدية في حقل الصحافة المليئ بالأدعياء.. وليتها اكتفت بمجرد ادعاء باطل لا بينة عليه، ولم تتجاوز كل المعقول لتضرب سياجا من الأوهام على مهنة الصحافة، فتحتكر الصفة رغم جهل الموصوف.
أصوات ظلت تمارس مهنة التسكع على موائد المعارضة حينا، وصالونات الأغلبية طورا، وكواليس الأمن والمخابرات أحايين كثيرة، في مهمة حرباوية منقطعة النظير.
أصوات ادعت الانتساب لمهنة الصحافة، وحاولت جاهدة احتكار السلطة الرابعة على من أسسوها، وهم لما يزال بعضهم يتلمس صدور أمهاته لالتقام ثدي يسد رمقه، ولم يزل البعض الآخر ينقل لرئاسة الجامعة آخر مخططات تصعيد الطلاب لنيل حقوقهم، فتأتي مكافأته دراهم معدودة ونقاط تعين على التجاوز.
لقد حاول هؤلاء المنتسبون زورا وبهتانا إلى مهنة الصحافة تقديم أنفسهم للرأي العام على أنهم هم وحدهم "الصحافة الجادة"، وأن غيرهم مجرد أدعياء، متمثلين المثل العربي: "رمتني بدائها وانسلت".
فعن أية جدية يتحدث هؤلاء الأدعياء؟!.. وكيف لمتابع للشأن الصحفي أن يتمالك نفسه عن الضحك استهزاء وسخرية واستنكارا، وهو يرى ويسمع من أدمنوا سرقة المصادر الصحفية، ونسخ ولصق المقالات التحليلية، وتحطيم قواعد الإملاء... يتصدرون المشهد الصحفي (الجاد)!!!
سأشفق على هؤلاء الأدعياء، وأعتبرهم (صحافة جادة).. نعم، إنهم جادون.. وجادون جدا جدا جدا... ولكن في ماذا؟؟؟!!!
إنهم جادون في انتهاج طريق الانتحال.. وجادون في اعتماد أسلوب التلبيس والتدليس.. وجادون في تشويه صورة صاحبة الجلالة... بل وجادون في سخريتهم من أنفسهم، واحتقارهم للرأي العام الذي يقسمهم إلى صنف مجهول، وطائفة منبوذة.
صحيح أنه من ضمن من يتحدث باسمهم هؤلاء الأدعياء صحفيون محترمون ومهنيون وجادون، لكن صمتهم ورضاهم بتصدر الأدعياء يجعلهم شركاء في تمييع الحقل الصحفي، ومسؤولين بصفة مباشرة ومدانة عن تلطيخ الواجهة الصحفية بأدعياء يفعلون ما يشاؤون، فقط لأنهم لا يستحون.
لقد بات تحرير الصحافة من قبضة أدعياء الجدية محتاجا إلى صرخة عاليه وصادقة، كما صرخ الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديا ذات يوم وهو يرى اختطاف الدين الإسلامي من قبل من وصفهم باللصوص والنصارى، فنقول بأعلى صوت:
حماة الحقل إن الحقل صارا أسيرا للسفالة والقذارى
فإن بادرتموه تداركوه وإلا ظل مركوبا حمارا