في ليلة حالكة من ليالي القرن الماضي، رمت الأقدار بعجوز من سكان مدينة النعمة إلى أحضان عسكري يدعى ﺍﻟﻤﺨﺘﺎﺭ ﻭﻟﺪ ﺑﻠﻌﻤﺶ، ليقضي منها وطرا على مضجع هزيل كان شاهدا فيما بعد على ميلاد جرثومة العصر.
حاول ولد بلعمش في تلك الليلة البائسة أن يخترق حدود المكان والزمان، فشرد بخيال العجوز بعيدا عن مرارة أيامه، يحكي لها عن أحداث كانت فاصلة بحق في التاريخ المعاصر، وفي مقدمتها نجاح السوفييت (1959) في غزو الفضاء وتحطيم حواجز المسافة والزمن.
لم تكن السيدة تفهم أي شيء عن ما يتخبط فيه الرجل، لكنها احتفظت في ذاكرتها بصورة رسمت فيها ملامح الحدث، وحاولت أن تبحث له عن إسقاطات على واقعها، لتسعفها الطبيعة في اليوم الموالي، من خلال عاصفة تشكلت في سماء المدينة، وغزت أرضها لتأتي على الأخضر واليابس.
أوان تشكل العاصفة كانت مياه دافقة في بطن العجوز تتشكل هي الأخرى لتأخذ وضعيتها النهائية على شكل جنين جني، ليختلط حابل السماء بنابل بطن السيدة العجوز، فكانت النجية النهائية بعد مخاض عسير كتلة لحمية هزيلة أطلق عليها مجازا سيدي عالي.
احتفظت هذه الجرثومة سيئة التشكل إلى يومنا هذا بنفس الصورة في ملامحها العامة، فأصبحت بقدرة قادر تمثالا لتلك الأحداث المؤلمة في تاريخ مدينة النعمة بشكل خاص وموريتانيا بشكل عام، تجسد تداخل سواد ليلة حالكة، ببياض مياه دافقة أخرجت عنوة من بين الصلب والترائب، لتكون فيما بعد وبالا على الإنسانية وقيمها.... يتواصل
حرية ميديا