كان جيب صاحبي منتفخا، فتساءلت فضولا ماذا تحمل؟ أخرج من جيبه رزمة كبيرة من فئة 200 أوقية فزادت دهشتي.. لماذا كل هذا المبلغ، ومن فئة 500 فرنك إفريقي! تعجب صاحبي ألم تذهب من قبل إلى السنغال؟ قلت: وماذا أفعل في السنغال! ابتسم صاحبي وقال: هذه النقود، من هذه الفئة بالذات تفتح لك كل الأبواب، وستصرف منها بلا توقف منذ تطأ قدماك الضفة الجنوبية لنهر صنهاجة. في البلدان التي يكثر فيها الفساد تدفع الرشوة تحت الطاولة أما في السنغال فالرشوة جزء من الحياة العامة؛ رياضة وطنية مثل المصارعة، والنشل والذلة ل"توباب" و"نار بيروت"...
متى كان في السنغال منظمات لحقوق الإنسان وهي المشهورة بقمع سكان كزامنص، وقتلهم وتشريدهم. أين كانت هذه المنظمات حين كان الجيش السنغالي يقتل الأبرياء من أبناء شعبه! ويتحدث السنغاليون عن الرشوة وعمدة داكار يقبع في السجن بتهمة الفساد؛ فإن كانت الحكومة صادقة في اتهامها له فذلك يعني أن الفساد يعشش في الطبقة السياسية السنغالية، وإن كان بريئا فإن حقوقه مصادرة من طرف النظام، والقضاء فاسد يتبع توجيهات السلطة التنفيذية. ولعله لا ضرورة لرفع التناقض فقد يكون العمدة فاسدا مختلسا سكتت عليه السلطة حتى إذا أظهر طموحا رئاسيا أخرجت له ما كانت تخفيه.
في الأسابيع الأخيرة عين رئيس السنغال أخاه في منصب سام وهو المتهم وغيره من عائلة الرئيس، بقضايا فساد تربطه بشركات نفطية. ولا بد أن المنصب الذي عين فيه معين له على فساده. فقد عين مديرا للضرائب، والشركات العالمية مشهورة بتهربها من الضرائب، فإذا كان مديرها من محسوبيهم فذلك غاية ما تصبوا إليه.
أما اتهام موريتانيا بالفساد فهو من باب إبعاد الشبهة عن النفس. فلم تثبت حالة فساد واحدة وتم التغاضي عنها. والمسجونون بتهمة الفساد ليس لهم طموح سياسي يقودهم إلى السجن كما هي حال عمدة داكار، وكريم واد من قبله، الذي اتهمه النظام باختلاس المليارات ثم أفرج عنه في صفقة سياسية يتندر الناس بتفاصيلها:"أخرج، واصمت". وقصت العبودية في السنغال وصلت حتى رأس السلطة، ألم يصرح واد على الملأ بأن "ماكي صال عبد"، وتهامس السنغاليون "لا يزال الشيخ يتمتع بكل قدراته الذهنية، وذاكرته التاريخية..." إذا كان الرئيس وخلفه يتراشقون بمثل هذه الكلمات، فماذا نقول عن العامة الذين لا يتزاوجون، ولا يتجاورون في المقابر!!!
ما يغيظ السنغال حقيقة هي المكانة الدولية المرموقة التي تبوأتها موريتانيا على الساحة الدولية منذ وصول فخامة الرئيس السيد محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة. أصبحت موريتانيا تضايقهم في المحافل الدولية بترشحها للمناصب الدولية وكسبها، وجعل السنغال تخسرها كما جرى في انتخابات رئيس المفوضية الإفريقية... تعود السنغاليون على حكومات باهتة أخلت لهم الساحة الإفريقية والدولية فلم يطيقوا تغير الحال، فجمعوا شذاذ الآفاق من الفاشلين ليكونوا منهم معارضة في الخارج بعد أن لفظهم الداخل. ولو كان لهم أدنى حس سياسي ما ذهبوا إلى السنغال. فلم يأتنا من الضفة الأخرى عبر التاريخ سوى المستعمر، وصغار الحرفيين، وعاملات المنازل.. ترسل لنا السنغال جوعاها، ولصوصها، وتستقطب الفاشلين منا والمرتزقة فليهنئوا بهم.. الطيور على أشكالها تقعوا.
ومن المفارقات المضحكة أن يتهم التلميذ البليد أستاذه النابه بالجهل!!! من علم السنغاليين أصول وفروع دينهم؟ وإذا كان بلغ بهم الاستلاب الحضاري حدا جعلهم يعدون من لا يتكلم الفرنسية بطريقتهم المكسرة، كما هو واضح في بيان وكالتهم، أميا فإننا نفخر بازدراء الفرنسية في كل الأزمنة والأمكنة... ستدرك السنغال، ربما بعد فوات الأوان، أن مصالحها مع موريتانيا أكبر من مؤتمر صحفي يبث الأكاذيب على ألسنة أشخاص بلا مصداقية، عقدوا عشرات المؤتمرات الصحفية من قبل ولم يلتفت إليهم أحد في العواصم الغربية، فهل تراهم في داكار سيكونون أكثر مصداقية!!!