عند الحديث عن الهوية، في رؤية تواصل يظهر البعد الشعوبي للإخوان جليا. "شَكلت لغةُ القرءان إضافة إلى اللغات الوطنية - البولارية والسوننكية والولفية - بقيةَ مكونات تلك الهوية التي انطبعت بصماتُها واضحة في الملامح العامة لشعبنا..."، تعمدت الرؤية تجنب (ع ر ب)، ومشتقاتها، وهي تتحدث عن لغة قوم، في سياق تحدثت فيه عن لغات أقوام آخرين بالصيغة المعروفة، البولارية، والسوننكية، والولفية، فلماذا تجنب الإخوان إطلاق اللغة العربية!!! لا ينبغي الذهاب بعيدا بحثا عن الإجابة، فقد اشتهر إخوان موريتانيا خاصة بعدائهم للعرب مترسمين خطى الشعوبية، وقد ارتبطت الشعوبية بالزندقة، يقول الجاحظ.. "إن عامة من ارتاب بالإسلام إنما كان أولُ ذلك رأي الشعوبية والتمادي فيه وطول الجدال المؤدّي إلى الضلال، فإذا أبغض شيئًا أبغض أهله، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة، وإذا أبغض تلك الجزيرة أحبَّ من أبغض تلك الجزيرة ، فلا تزال الحالات تنتقل به حتى ينسلخ من الإسلام ، إذ كانت العرب هي التي جاءت به، وهي السلف والقدوة". يعلَّل هذا العداء بصراع الإخوان مع الفكر القومي. لكن هذا الصراع لا يبرر العداء للعرب إلى درجة تجنب المادة اللغوية، كما كان ابن عطاء يتجنب الراء في كلامه. فلا حرج في الصراع مع الفكر القومي، لكنه لا يبرر بغض العرب، إذ ليس ذلك من العدل الذي تنسبه الرؤية إلى الإخوان، ولا من التقوى التي ينسبها الإخوان إلى أنفسهم.. فالله سبحانه وتعالى يقول..(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)(المائدة8).
وهناك بلدان أبعد ما تكون عن الفكر القومي، وكانت بالأمس القريب حاضنة الإخوان، نسبت نفسها إلى العرب بدل الانتساب إلى الإسلام، وظلت مصر عربية حتى في ظل حكم الإخوان، فما سر عداء إخوان موريتانيا للعرب، وقد حملوا الإسلام إلى أجدادهم.. ومن العرب أخذ إخوان موريتانيا بدعتهم، ومن صدقات العرب وتبرعاتهم يعيش الإخوان اليوم!!! لست أعتقد الفضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، غير أن بغض العرب لا يجتمع مع محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي شرط الإيمان.
يقول الألباني رحمه الله بعد تخريجه أحاديث في فضل العرب ضعّفها... "بيد أن ذلك لا ينافي أن يكون جنس العرب أفضل من جنس سائر الأمم، بل هذا هو الذي أؤمن به وأعتقده وأدين الله به - وإن كنت ألبانيا فإني مسلم ولله الحمد - ذلك لأن ما ذكرته من أفضلية جنس العرب هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، ويدل عليه مجموعة من الأحاديث الواردة في هذا الباب منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ". رواه أحمد (4 / 107) والترمذي (4 / 392) وصححه، وأصله في " صحيح مسلم " (7 / 48) وكذا البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 6) من حديث واثلة بن الأسقع، وله شاهد عن العباس بن عبد المطلب، عند الترمذي وصححه، وأحمد، وآخر عن ابن عمر عند الحاكم (4 / 86) وصححه".(سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة). ولم يطلق القرآن ولا السنة لفظ "لغة القرآن"، وإنما نسب الله جل جلاله القرآن إلى العرب تصريحا، فقال جل وعلا ..
( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(يوسف2)
( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(الزخرف3)
(قرآنا عربيا غير ذي عوج)(الزمر28)
(وانظر أيضا،فصلت2، الشورى7، الأحقاف12، الشعراء195)، فما مستند الإخوان في إطلاقهم "لغة القرآن" سوى عداء العرب؛ قوم النبي صلى الله عليه وسلم الذين رفع الله ذكرهم بالقرآن (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)(الزخرف44)، ويريد تواصل طمسه!!! - استخدمت الرؤية لفظ "اللغة العربية"، في الفقرة التالية مع محاولة فصلها عن العرب، "...
وقد أصبحت لغة إنسانية كونية منذ اختارها الله تعالى لتكون وعاء مباركا للرسالة الخاتِمَة،..."، ثم عادت إلى إطلاق لفظ "لغة القرآن".
لكن الله اختار اللغة العربية "لتكون وعاء مباركا للرسالة الخاتمة،..." حين كانت لغة العرب، لا يتكلمها غيرهم!!! نجد هذا الشطط في محاولة فصل اللغة العربية عن العرب في برنامج الحزب.." اللغة العربية وتعني لغة القرآن الجامعة..." أليس هذا عُصابا، يمكن أن يطلق عليه "عربوفوبيا"، فما الفائدة من حصر معنى اللغة العربية في لغة القرآن الجامعة!!! وهذا مما نخشاه على شباب المسلمين الذين يتعرفون على الإسلام من طريق الإخوان فيحسبون بغض العرب عبادة، أو فريضة من فرائض الإخوان... - ومن فرائض الإخوان، حسب الرؤية قولهم.." ونحن في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، نعتبر استعادة الأمة لوحدتها ولحمتها مطلبا أصيلا من مطالبنا وهدفا كبيرا من أهدافها، ونعتبره كذلك فريضة شرعية..." صحيح أن الله أمرنا بالوحدة، ونهانا عن الفرقة، لكن عدّ الوحدة "فريضة شرعية" لا بد له من دليل شرعي، إذ الفريضة في التعريف " ما أَوْجَبَهُ الله على عِبَادِهِ مِنْ حُدُودهِ التي بَيَّنها بما أَمر وما نهى عنه"، وهي مرادفة للواجب - عند جمهور الأصوليين – ما عدا الحنفية ، ورواية عن الإمام أحمد..." ... والفرض ، أو الواجب : هو ما أمر به الشارع على سبيل الإلزام ، بحيث يستحق فاعله الثواب، ويستحق تاركه العقاب..." فأين فرض الله الوحدة على المسلمين!!! وهذا مما نخافه على شباب المسلمين أن يأخذوا دينهم عن من لا يؤتمن عليه لأنه من أصحاب الأهواء.
فإطلاق لفظ الفريضة لا يكون إلا بدليل شرعي. - تدعي الرؤية أن " الساحة الإسلامية قد عرفت محاولات للوحدة..." وهذا من التدليس الصريح؛ فالمحاولات التي تتحدث عنها الرؤية حدثت في "الساحة العربية"، وباسم القومية العربية، لكن الإخوان يجفلون من مادة (ع ر ب) فلا يذكرونها... من كل ما تقدم يتضح أن حركة الإخوان المسلمين، وخاصة جناحها الأكثر علمنة "تتفق مع العلمانيين في الأهداف، وإن اختلفت معهم في الوسائل" كما قال مفكرهم الشنقيطي، فهم ينشطون داخل المجتمعات الإسلامية بعناوين إسلامية لكن المتتبع لمواقفهم السياسية، يدرك أن الغرض من يافطة الإسلام تمرير العلمانية وإشاعتها بين شباب المسلمين باعتبارها "فهما جديدا للدين قائما على الوسطية، ويتحرى مقاصد الشرع...".
يُسفه هذا "الفهم الجديد" كلَّ فهم لا يناسب أغراضه العلمانية.
فقد خاض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حربا ضروسا ضد من فرق بين الصلاة والزكاة وسموهم مرتدين، وعرفت تلك الحروب في تراث الأمة بحروب الردة... ثم خلف من بعدهم خلف يطعنون في حد الردة، رغم صحيح السنة وصريحها!!! يقول جميل منصور..."لا أريد فتح نقاش هنا حول موضوع الردة و الحد المقرر لها شرعا... وعموما إذا كان العالم على استعداد للاتفاق على قيم الحرية ورفض الإكراه و العنف فلا أخال [إخال] الإسلام والفاهمين من أهله إلا على استعداد لعقد من هذا النوع يعلي قيم الحرية والإنصاف وقبول الآخر وسنجد في كتاب الله [والسنة؟] ما يؤسس و يشجع :..."(مقاربات...) يعلن رئيس الحزب، وهو يكتب مقاربات تنظيرية، تبرمه بموضوع الردة "والحد المقرر لها شرعا..." والله سبحانه وتعالى يقول..(كتاب أنزلناه إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين)(الأعراف2)، ثم يتخلص من الموضوع بتعليقه على شرط يسمح للإسلام "والفاهمين من أهله" بإسقاط حد الردة "إذا كان العالم [دون تخصيص] على استعداد للاتفاق على قيم الحرية ورفض الإكراه والعنف"، وكأن حد الردة مناف "لقيم الحرية ورفض الإكراه والعنف"!!! "وسنجد في كتاب الله [لاحظوا إسقاط السنة] ما يؤسس ويشجع:...".
تلك هي "وسطية الإخوان": تجاهل السنة، والبحث في كتاب الله، بأثر رجعي، لتبرير خياراتهم العلمانية. وفي مقابلة مع موقع تقدمي بتاريخ 23 يوليو 2017 يرد جميل على سؤال لأحد اليساريين: "هل تؤيد حرية المعتقد والعبادة؟..." أجاب جميل منصور، بعد استطراد.." وفي تقديري أن الإسلام بإقراره ” لا إكراه في الدين ” وهي معلنة و” قد تبين الرشد من الغي ” وباستنكاره ” أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ”… أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ” وضع الأساس لحرية الاعتقاد و لا قيمة لدين بإكراه والنفاق مذموم ومرفوض والمسؤولية في الدين أمام الله لا أمام الناس." في هذه "الفتوى" من الخطر على الإسلام وأهله ما لا يمكن حصره.. فالمفتي تعرفه موسوعة ويكيبيديا " قيادي إسلامي بارز من موريتانيا وهو نائب سابق في البرلمان الموريتاني ويرأس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، أما التحصيل العلمي فتقول عنه نفس الموسوعة.."ولد في نواكشوط سنة 1967 وحصل فيها على الشهادة الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية قبل أن يحصل على شهادة الدراسات المعمقة من جامعة الملك محمد الخامس ويحضر الآن للدكتوراه في الفقه الإسلامي المقارن برسالة بعنوان (الديمقراطية والشورى: الاتفاق والاختلاف)." فهل يحق لمن كانت تلك صفته، وهذا تحصيله، أن يفتي في دين الله بناء على "تقديره"!!! ثم لاحظوا الفرق الشاسع بين السؤال والجواب؛ فالسائل لا يسأل عن حكم الإسلام، فهو يعرفه، وإنما عن رأي جميل منصور، "في حرية المعتقد والعبادة"، فيجيب رئيس حزب تواصل باسم الإسلام، بناء على تقديره!!! ولسان حاله يقول "أنا الإسلام"! وتلكم هي مشكلة الإخوان؛ التحدث باسم الإسلام، وتقديم رؤاهم السياسية على أنها هي الإسلام. فلو أعطى جميل وجهة نظره السياسية، أو تقدير حزب تواصل لعد ذلك في لغو السياسيين الذي لا يلتفت إليه.. لكنه "يقدر أن الإسلام..." كان الوليد بن المغيرة أول "مفكر حر" بنى رأيه في الإسلام على "تقديره"، حين "فكر وقدر"، متخليا عن فطرته التي تبعها أول مرة حين سمع كلام الله فقال:"... إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة..."، "فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر". ذلك أن من معاني قدر ثمن، خمن، قوم، خرص، وهي معاني لا تفيد اليقين، وإنما تركن إلى الظنون. وقد قال تعالى "قتل الخراصون"، قال قتادة:"أهل الظنون". فكيف جاز لنائب سابق، ورئيس حزب يحضر الدكتوراه في الديمقراطية والشورى (لاحظوا الترتيب)، أن "يوقع عن الله" بناء على "تقديره"، متتبعا ما تشابه من القرآن، ضاربا عرض الحائط بالسنة الصحيحة!!! "من بدل دينه فاقتلوه"(البخاري)، "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ الثيب الزاني، النفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة."(البخاري ومسلم). وزاد رئيس تواصل فاستنبط حكما جديدا.." والمسؤولية في الدين أمام الله لا أمام الناس." فأين هو من قوله تعالى.."الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر..."، وأمر الله للنبي صلى الله عليه وسلم.."خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها..."، أليست هذه مسؤولية في الدين أمام الناس؟ وكيف جاز للصحابة قتال المرتدين، إذا أخذنا باستنباط رئيس تواصل هذا؟ وقد عمل جميل منصور بخلاف استنباطه، حين اعتبر أن رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية "أساء الأدب مع الله" لأنه وظف آية سبقه إلى توظيفها القرضاوي لنفس الغرض.. فلماذا شنع عليه "مادامت المسؤولية في الدين أمام الله وليست أمام البشر"!!! وفي المقابل يتولى جميل الشنقيطي المنكر لحد الردة، الطاعن في عدالة الصحابة!!! كان رئيس الحزب المنتهية ولايته، وعد، في تدوينة سابقة، بالعودة إلى هذه التساؤلات وغيرها "في سياق أشمل وربما في فضاء أرحب"، وخلف الوعد بالغانيات جميل...