على أساس «اكذب حتى يصدقك الناس» القاعدة الشهيرة في الحرب النفسية لدى النازيين بنت معارضتنا سياستها الإعلامية، حتى باتت تصف النظام بكل ما تمارسه من أفعال وتصور نفسها بحالة من النقاء والطهر، فرغم تصدر المفسدين ورموز الأنظمة الدكتاتورية والمتاجرين بالمواقف لصفوف المشهد المعارض وانغماس معظم هيئاته وتشكيلاته وأحزابه وتنظيماته في المتاجرة بقضايا الوطن وسمسرة الضمائر، لم يتخذ النظام موقفا وطنيا لصالح موريتانيا وتنميتها وتعزيز امنها واستقرارها وبناء اقتصاد إلا وتسابقت المعارضة، بكل أطيافها، لاخراجه من سياقه وإعطائه تفسيرات تعكس الحالة النفسية والفكرية لهذه الهياكل التي ترفض التقاعد رغم ان المواطن الموريتاني عبر في كل مناسبة عن رفضه لسياساتها.
وفي ضوء معطيات واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار قامت الحكومة الموريتانية بقطع علاقتها الديبلوماسية مع دولة قطر مبررة القرار المؤسف، بما دأبت عليه دولة قطر من العمل على تقويض المبادئ التي تأسس عليها العمل العربي المشترك.
وأضاف بيان الخارجية الموريتانية أن دولة قطر “ارتبطت سياستها في المنطقة بدعم التنظيمات الإرهابية، وترويج الأفكار المتطرفة. وعملت على نشر الفوضى والقلاقل في العديد من البلدان العربية، مما نتج عنه مآسي إنسانية كبيرة في تلك البلدان وفي أوروبا وعبر العالم؛ كما أدى إلى تفكيك مؤسسات دول شقيقة وتدمير بناها التحتية”…. وفي ظل إصرار دولة قطر على التمادي في هذه السياسات التي تنتهجها، قررت حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر.
بهذه المبررات المقنعة والمؤسسة على وقائع تسندها اتخذت موريتانيا موقفها من هذه الدولة الشقيقة لعلها تتراجع عن سياستها الخطيرة على الجميع، ومن المعروف في الأعراف الديبلوماسية أنه لا يوجد قرار اصعب من “قطع العلاقات الديبلوماسية” لما يترتب على ذلك من ضرورة مراعاة توازن المصالح العامة للدولة والخاصة لمواطنيها.
الموقف الموريتاني من السياسة القطرية ليس بجديد، ففي مطلع العام 2012، حاول الشيخ حمد أمير قطر حينها أن يتدخل في شؤون البلاد الداخلية ويتجاوز حدوده ويرسم لموريتانيا معالم علاقتها الخارجية ويقترح أجندات يشارك من خلالها حلفاؤه المحليين، لكن رد فخامة الرئيس عزيز كان حازما وصارما ورافضا لهذه الوقاحة غير المسبوقة في العلاقات العربية البينية، وبين لضيفه ان موريتانيا لا يمكن ان ترتهن لدولة مهما كانت (نشرت صحيفة السراج بعض تفاصيل الحادث وهي وسيلة اعلام موريتانية لا يمكن اتهامها بالتجني على أمير قطر).
وقد ظلت موريتانيا، منذ تولى الرئيس عزيز شؤونها، حريصة كل الحرص على التميز في مواقفها، والابتعاد عن الخضوع للأجندات الخارجية، فلو أرادت موريتانيا بيع مواقفها أو المساومة على قراراتها لطردت السفير السوري (طلبها صراحة أمير قطر السابق وساوم على ذلك).. أو قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع ايران (فعلتها دول شقيقة وحليفة لموريتانيا).. أو شاركت في العملية العسكرية الفرنسية بمالي (عجزت فرنسا بكل قوتها عن جرنا للأمر).. أو سكتت عن سفارة الكيان الصهيوني في نواكشوط كما فعل “اخوة” لنا صدعونا بمحاربة التطبيع…. أو أرسلت جنودا إلى اليمين ضمن عاصفة الحزم…. كل هذه المواقف ما هي الا امثلة من قرارات سيادية لا حصر لها رفضت فيها البلاد الخضوع للإملاءات الخارجية، وظلت مصلحة موريتانيا هي المحدد والمعيار والبوصلة التي تحكم ديبلوماسيتنا. والحقيقة التي تحاول بعض أطياف المعارضة اليوم طمسها أنه لا يوجد موقف للبيع غير مواقف معارضتنا ومن يدور في فلكها….
فالموقف الموريتاني استند للمصلحة الوطنية، فمقابل كل منفعة للبلاد مع هذا الطرف، توجد على الأقل 10 منافع في الطرف الآخر… الديبلوماسية تبني على المصالح… ولا تهديد لأمننا ومصالحنا الاسترتيجية أخطر من الدور القطري في دعم التنظيمات الارهابية وتغذية التطرف العنيف في منطقة الساحل….
ورغم كل الضجيج الذي اطلقه “الطابور الخامس” فلن يتوقف برنامج تنموي واحد لانه ببساطة لا يوجد اليوم لدى وزارة الاقتصاد والمالية الموريتانية أي مشروع تموله قطر رغم ما يتحدث عنه أنصارها من دور لها في الاقتصاد الوطني.
أحمد عيسى ولد اليدالي.
إعلامي موريتاني من الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز