بدأ نظام الإخوانيات كنسيا قائما على التشارك في عقائد وطقوس دينية خاصة بأفراد الاخوانية، لكنه ما لبث أن تعلمن مثلما تعلمن الكثير مما كان كنسيا. تعلمن إذن نظام الإخوانيات ليقوم على المصالح المشتركة بدل العقائد، واعتمد السرية في أنشطته وشروط انتسابه.
وغالبا ما تنشط الاخوانيات ضد المصالح العامة للجماعة التي تنتمي إليها، لأن هدف الاخوانية الأساس هو حماية مصالح أفرادها ضدا على مصالح الجماعة، من هنا الطابع السري لأنشطتها. لذلك تستخدم الاخوانيات أنشطة قانونية تتستر بها على أنشطتها الاجرامية. قد تستخدم الاخوانية النوادي، أو الهيئات العمومية، أو الشركات، أو منظمات المجتمع المدني الحقوقية والخيرية.
تظل الاخوانيات متخفية خلف أقنعتها القانونية حتى إذا تعرضت مصالحها، أو أحد منتسبيها، للضرر ظهر وجه الاخوانية الحقيقي في دفاعها عن مصالح منتسبيها، لكنها تحاول فعل ذلك خلف الغطاء الشرعي الذي تنشط خلفه. لقد تبدت ملامح الاخوانية جلية في مجلس الشيوخ بمناسبة تصويته على التعديلات الدستورية المقترحة التي أجازتها الجمعية الوطنية لكن بعض الشيوخ رأى فيها إضرارا بمصالح منتسبيه فتواطئوا سرا على رفضها، وتلك هي السمة الأولى من سمات الإخوانيات؛ العمل السري والتعمية عليه بنشاط علني يستخدم غطاءً. فالنشاط العلني في مثل هذه الحالة هو الانتماء إلى حزب سياسي حصل الشيوخ من خلاله على مقاعدهم وهم بذلك ملتزمون بخياراته وتوجهاته. وتقتضي الديمقراطية في حال تقلب قناعاتهم التصريح لقيادة الحزب بذلك، والدخول معها في حوار يفضي إلى توافق، أو انعدامه بشكل واضح يكون الطرفان على بينة منه.
لقد ظل الشيوخ في انسجام تام مع الحزب والحكومة يصوتون بانتظام على كافة القوانين المعروضة عليهم ربما دون الاطلاع على مضمونها. فقد كان التصويت علنيا برفع الأيدي مما جعل البعض يبقي يده مرفوعة أطول فترة ممكنة ليتأكد أن صورته التقطت. لكن حين عرض على المجلس الموقر نص يفضي إلى حله، والتصويت عليه سري وجد أفراد الاخوانية الفرصة سانحة للدفاع عن مصالحهم على حساب المصلحة العليا للوطن والمواطن.
ثم سنحت مناسبة أخرى ليعبر أفراد الاخوانية عن تضامنهم حين قاد أحدهم سيارته بسرعة مفرطة في وسط حضري فأزهق الأرواح وأتلف الممتلكات. أوقف الشيخ لتأخذ العدالة مجراها.
وبدل أن يتعاطف الشيوخ مع الضحايا الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم تحت عجلات السيارة الفارهة، هبوا هبة رجل واحد للدفاع عن عضو الاخوانية!!! فهم مستاؤون من توقيفه، يرون الظلم في استجوابه عن ملابسات الحادث الذي أزهق أرواحا بريئة لفقراء معدمين. ولأن الشيخ، في زعم أعضاء الاخوانية، يتمتع بحصانة برلمانية يجب على السلطات نقله إلى منزله ليتلقى التهاني على سلامته من الحادث الأليم. مفهوم الحصانة عند الاخوانية يحمي عضوها من أي مساءلة قانونية مهما أوقع من ضرر في الأرواح والممتلكات!!!
لقد هرعوا إلى ذوي الضحايا مطالبين بالتنازل الفوري، وثرى الضحايا لما يجف! المهم أن لا يبيت عضو الاخوانية في التوقيف، ثم يدعون ببرود تمثيل الشعب والدفاع عن مصالحه!!! لا بد أن الشعب الموريتاني أدرك بهذه الحادثة الأليمة أن التصويت ضد الاصلاحات الدستورية كان بدافع المحافظة على المصالح الخاصة لأعضاء الاخوانية الذين يريدون فرض هيئتهم على الشعب الموريتاني بمنعه من التصويت على حلها أو بقائها. وليقينهم أن الشعب سيصوت بأغلبية ساحقة على حل مجلس الشيوخ يناور أعضاء الاخوانية لتعطيل الاستفتاء بشتى الطرق. يرفع أعضاء الاخوانية "الحصانة البرلمانية" قميص عثمان في وجه تطبيق القانون!
وتعرف الحصانة البرلمانية بأنها:" نوع من الحماية القانونية التي يعطيها الدستور لنواب الشعب في البرلمان كنوع من الحماية السياسية والقانونية حتى يستطيع النائب أن يؤدي وظيفته الدستورية كاملة (كسلطة تشريعية) بعيدا عن تاثير السلطة التنفيذية على أعضاء البرلمان بالترغيب أو الترهيب." فبأي تأويل غريب يمكن إدخال دهس الناس على الرصيف في مشمول هذا النص لحماية سائق متهور من المساءلة!!!
أضف إلى ذلك أن السياق الذي ظهرت فيه الحصانة لم يكن ليشمل الجنايات والجنح التي يرتكبها النواب في حق المواطنين الأبرياء. فقد "ظهرت الحصانة البرلمانية في إنجلترا عام 1688م على أثر قيام الثورة الإنجليزية وإقرار الوثيقة الدستورية المعروفة باسم قانون الحقوق حيث نصت هذه الوثيقة على أن حرية القول - المناقشات - الإجراءات داخل البرلمان لا يمكن أن تكون سببا للملاحقة القضائية أو محلا للمساءلة أمام أي من المحاكم وإقرار هذه الحصانة في إنجلترا كان أساسا لحماية النواب من سلطات الملوك وليس حمايتهم من مواطنيهم والحصانة البرلمانية في إنجلترا كانت قاصرة على الدعاوى المدنية إضافة إلى الإجراءات الخاصة بالدعاوى الجنائية البسيطة فقد استثنت من نطاق هذه الحصانة قضايا الخيانة العظمى وقضايا الجنايات وقضايا الإخلال بالأمن." فأين هذا من حوادث المرور التي تنتهي بالقضاء على فقراء أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم طلبوا رزقهم على رصيف طريق معبد سار عليه الشيخ متجاهلا أبسط قواعد المرور في الوسط الحضري: تخفيف السرعة.
ليس مستغربا أن يتضامن أعضاء أخوية ضد القانون، حماية لمصالحهم، لكن المستغرب حقا هو أن يهب السياسيون منددين بتطبيق القانون على واحد منهم لإنصاف بعض ناخبيهم!!!
سيدي محمد ولد ابه