ينشد الشعب الصحراوي انتصارا وحيدا؛ يوم الظفر بالاستقلال التام و تحرير كامل التراب الوطني ، و دون هذا اليوم المرتقب ، تدور رحى حرب ، طويلة الأمد ، لها كم من أسلوب و نمط ، و بها من النكسات ما يقابله من المكاسب و الإنجازات .
وقعت جبهة البوليساريو مع المغرب قرارا أمميا ، قاضي بوقف الحرب العسكرية التي استمرت ستة عشر سنة دون انقطاع ، مفضيا الى تنظيم إستفتاء تقرير المصير، و انخرطت بحسن نية في مسار التسوية الأممي منذ إعلانه سبتمبر 1991، و يتضح من طول سنوات اللاحرب و اللاسلم هذه ، الضعف الكبير الحاصل بالهيئة الأممية ، إذ لم تستطع ، بكل أدواتها المتاحة ، و أولها وجود بعثة معنية بمراقبة وقف اطلاق النار و تنظيم استفتاء تقرير المصير ، فرض تنفيذ قرار اتخذته بموافقة الطرفين المتصارعين . تعداد مكاسب جبهة البوليساريو الدبلوماسية ، طيلة هذه السنوات ، و ما يجابهها به المغرب من تعنت و استهتار بالشرعية الدولية ، يمكن اختزاله في أن أهم المكاسب هو هذا الصمود منقطع النظير في وجه قوى استعمارية نافذة ، همها طمس القضية الصحراوية و عزلها و إفراغ حقيقتها القانونية من محتواها، و أهم هذه القوى عرَّتها أزمة الگرگرات الأخيرة ؛ أي فرنسا .
نعلم بأنه لولا السندالفرنسي للمغرب لما استمر في احتلاله للصحراء الغربية ، و هو البلد الذي يعاني من أزمات عديدة ، اقتصادية و سياسية. و اجتماعية ، بلد في نهاية المطاف من بلدان العالم الثالث ، بيد أن انصياع المخزن لتنفيذ أجندات فرنسا، الحانقة لضياع مستعمراتها الإفريقية ، يجعله سوطها الذي تضرب به احتمالات التكامل المغاربي و تطلعات النماء الإفريقي .
وعلينا الإعتراف كذلك بأننا لا نملك غير قوة الحق، بينما يستمد خصمنا من أمه فرنسا حق القوة ، و مهما طال صراع النقيضين ، فمنطق التاريخ ،لا محالة قاضي بانتصار الحق . الگرگرات ؛ هذه المنطقة الصحراوية الطويلة الضيقة ، جزء من التراب المحرر، الأقرب لجدار الفصل المغربي ، المحاذية للحدود الموريتانية ، استغلها النظام المغربي لتمرير تجارته المسمومة ، و بث دعاياته المغلوطة ، في تغافل مقصود من السلطات الصحراوية ، التي اعتبرت ثغرة العبور بالجدار فرصة للتواصل بين الصحراويين بالمدن المحتلة و أهاليهم بمخيمات اللاجئين و الأراضي المحررة ، و موجب انتعاش اقتصادي للشقيقة موريتانيا ، كانت أحداثها الأخيرة القشة التي قصمت بعير التجاوزات المغربية ، و القطرة التي أفاضت كأس فرنسا ، حتى أبانت عن موقعها من الصراع الصحراوي المغربي، والدال عن كونها هي قوة الإحتلال الفعلية. و ما بين التصدي لمحاولة المغرب تعبيد طريق غير شرعي بالأساس ، و تهديد مصالح فرنسا، خاصة بدول غرب افريقيا ، تظهر بجلاء شجاعة جبهة البوليساريو و صرامتها ، و صمودها في وجه قوى الاحتلال المغرب-فرنسي . أمضت قوات البوليساريو ثمانية أشهر كاملة، قبالة بوابة الجيش المغربي غير الشرعية ، بالكاد تفصلها عنها أمتار قليلة ، مبرزة من خلال بعض الإجراءات ، العزيمة الكبرى لاستئناف الكفاح المسلح ، متى استنفذت كل الخيارات السلمية ، مؤكدة أن الأمر بعيد كل البعد عن جعجعة التهديد و الوعيد الخالية من أي طحين . لقد كان قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص القضية الصحراوية ، و الذي خيمت على مداولاته أزمة الگرارات ، قرارا مختلفا عن القرارات السنوية السابقة ، إذ أقر باستغلال المغرب لمنطقة محظورة بموجب الإتفاق العسكري في نشاطه التجاري، و أبرز حلفا جديدا للصحراويين ، تمثل في روسيا و بريطانيا الرافضتين لإنحيار غوتيرس للمغرب ، و بَيَّن استجابة الأمم المتحدة لشروط البوليساريو المطروحة لإخلاء المنطقة العازلة ، و المتعلقة بالمفاوضات وإعادة النظر في إتفاقية وقف إطلاق النار .
يفتقد كثر لمعلومات وافية و دقيقة عن القضية الصحراوية ، لعل أهمها معرفة حقيقة الجدار المغربي المقسم للصحراء الغربية ، و كونه أخطر جدار فاصل في العالم ، إذ عمد النظام المغربي لصد هجمات البوليساريو و مضيها في تحرير الأراضي الصحراوية باستمرار الى بنائه ، بخطة اسرائيلة و تمويل خليجي، و إضافة الى كونه فاصلا بين مناطق البلد الواحد ، يكمن خطره الجسيم في عدد الألغام المزروعة بمحاذاته و التي تتجاوز السبع ملايين لغم ، حسب تقدير خبراء غربيين . هذا الجدار الرملي الملغم ، و الذي يختبئ وراءه جنود الإحتلال المغربي، يبدأ من منطقة الوارگزيز شمال شرق واد الساقية الحمراء ، حتى منطقة الگرگرات جنوب غرب وادي الذهب ، و الساقية و الحمراء ووادي الذهب اقليما الصحراء الغربية و إسمها التاريخي ، و لتحريرهما أعلنت جبهة البوليساريو كفاحها 20ماي 1973، و يتجاوز طوله 2300 كلمتر ، و من أهم المعطيات الواجب إحاطتها، طبيعة سير الجدار ، حيث تتسع المناطق المحررة بالنسبة اليه في مناطق كالتفاريتي و مهيريز و تضيق بلغريدات ، غرد العنگرة و الگرگرات ، و بناء على سير خط الجدار كذلك يختلف شكل و طبيعة المنطقة العازلة ، فتكون أقرب للحدود الموريتانية الصحراوية في مناطق و تكون أبعد من ذلك بكثير في مناطق أخرى .
خصوصية منطقة الگرگرات الجغرافية ، توسطها لمكان الثغرة الموجودة بجدار العار و الحدود الموريتانية ، و هو ما أكسبها صدى الأزمة الأخيرة ، و الذي يفهم جيدا هذه الخصوصية سيقف إكبارا للجيش الصحراوي ، الذي قطع دابر التوسع المغربي الممنهج ، و المغالط للحقائق و الوقائع ، و ناسفا وهم الحدود المغربية الموريتانية ، و مميطا لثام ضعف البعثة الأممية و تراجعها عن أداء مهامها، و مكسبا القضية حضورا و و استقطابا دوليين ، تراجعا منذ سنوات . أعود للقول بأن عدم الإطلاع على كل أو جل تفاصيل القضية الصحراوية ، و مختلف فصولها و معطياتها، يسهم في اختلال المواد الإعلامية المقدمة عنها في مختلف المنابر ، و محدودية التواجد الإعلامي الصحراوي في مقابل الدعاية المغربية الممولة بإسراف ، يجعل المزايدين على نضال الشعب الصحراوي و المزيفين الحقائق أكثر تواجد .
و ختاما ، و حسب المعطيات الميدانية ، ما تزال الگرگرات الشجرة التي تخفي الغابة، وبعد أن ادخلت شرارتها في شباك العدو أهدافا كبرى، ستظل تداعيتها تترى ومادامت الثغرة الموجودة بالجدار الرملي الملغم قائمة ستكون هناك كركارات ثانية وثالثة وعاشرة.