حين يعظ بوعماتو...

اثنين, 04/10/2017 - 14:13

في السنوات الأولى لبث برنامج "الشريعة والحياة"، عند بداية ظهور "جزيرة الكنز"، قبل أن يكتشف الناس أنها "جزيرة الشيطان"، استفتى تاجر كبير، كما وصف نفسه، الشيخ قائلا:"أنا تاجر كبير والحمد لله، أمتلك أموالا منقولة وعقارات، لكنني بدأت بأربعة آلاف درهم حرام وأريد أن أتوب إلى الله بالتخلص من ذلك المبلغ، فهل يجزئني ذلك؟"

وعلى نفس المنوال، وربما في نفس المكان، ينسج تاجر كبير آخر جمع ثروته من الفساد، واقتناص الفرص ويريد الآن، بعد أن حيل بينه وبين الفساد، أن يكفر عن ماضيه القريب بإنشاء منظمة "لتكافؤ الفرص والشفافية في إفريقيا"!!! ولا يعلم صاحبهم أن توبة من عجز عن مفارقة ذنب أصر عليه، لا تقبل في فقه المعتزلة...

خرج "الدوبل" في ثياب الواعظين يجري المقابلات ويختزل المقارنات بين مختلفين لا يجمع بينهما إلا ما ذكره "الدوبل" دون سند أو مرجع يوثق به. ذكر رقما زعم أنه الدخل القومي لجزر الكناري، وآخر أسنده إلى موريتانيا، ليخلص سريعا إلى استنتاج صاغ استدلاله ليصل إليه.

ونسي "الدوبل" أن الدخل القومي يحسب كل سنة فلم يذكر السنوات التي أجريت فيها إحصائياته!!! هل يستطيع "الدوبل" إجراء مقارنة بين منفاه الاختياري وإمارة موناكو القريبة منه. عدد سكان إمارة موناكو لا يتجاوز 38.400 نسمة، والناتج الإجمالي فيها هو الأعلى في العالم.

أما منفاه الاختياري فتعداد سكانه 33.848.242 نسمة، والناتج الإجمالي السنوي فيه 103 مليار دولار، لسنة 2015، حسب الجزيرة نت، وثرواته، مضافة إلى ثروات الصحراء التي يحتلها بشهادة الأمين العام للأمم المتحدة، هائلة؛ فهو أول مصدر للفوسفات في العالم، وثالث منتج له، بالإضافة إلى الحديد، والرصاص، والنحاس، والكوبالت، والمنغنيز، والفضة والذهب... كما أنه من أكبر المنتجين للأسماك، والحمضيات، والفواكه، والقمح والشعير... فكيف يفسر "بو..." تفش الفقر والبطالة هناك؟

يلاحظ "بو" " أنه حصل ثراء سريع لهذه الطبقة القريبة منهم في سنوات حكمهم وهذا هو المعوق الأساسي للتنمية في بلدانهم". ولا ينبئك مثل خبير. يعرف الموريتانيون جميعا كيف جمع "بو" ثروته.. فقد كان في مطلع الثمانينات من "أهل الصفة" حتى تقرب من النظام القائم آن ذاك فأصبح مليونيرا في وقت وجيز. لذلك فهو خير من يتحدث عن الفساد والتربح بالقرب من السلطة. هل نسي كيف كان بنكه يتعامل مع مؤسسات الدولة التي تفتح لديه حسابين دائن يحظر عليها السحب منه، ومدين تسحب منه بفوائد ربوية تربوا على ثلاثين في المائة؛ بمعنى أن شركات الدولة تودع أموالها الطائلة عند "بو" ليقترض لها أموالها بفوائد ربوية باهظة.

لقد كانت تلك هي حال شركة المياه والكهرباء، وشركة سونمكس، وشركة سنيم، وغيرها من الشركات والجهات العامة التي كان "بو" يستنزفها مقابل رشا سخية يقدمها لمدرائها. ف "بو" هو صناعة النظام الذي باع "سمار" بثمن بخس لمقربين، وأفلس شركة الخطوط الجوية عدة مرات. واستفاد "بو" من المليارات التي دفعتها حكومة المرحلة الانتقالية قضاء لديون وهمية دفعت مرات عديدة.

ولد بوعماتو مع فرقة أولاد لبلاد 2016

 

لكن ما يشكو منه "بو" حقيقة ليست منافسة رؤساء الدول، وإنما رفض رئيس بعينه أن يمكنه من رقاب شعبه كما تعود في النظام البائد. فقد تعهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز لناخبيه بمحاربة الفساد، وكان "بو" هو التجسيد الأول للفساد. كان يريد السيطرة الكاملة على موارد الدولة ليجني الأرباح ويتهرب من دفع الضرائب.

أما تأكيد ندوته على.." ضرورة ضمان التوزيع العادل للثروة على نحو يسمح باستفادة كافة شرائح المجتمع من ثمار النمو." فهو سخرية من الذين يعرفون الرجل. فمن أراد احتكار كل الأنشطة التجارية والمالية لا يمكنه الحديث عن توزيع عادل للثروة.

لقد استطاعت موريتانيا حين تحررت من سيطرة إمبراطورية "بو" المالية والتجارية أن تستغل مواردها وتسخر جبايتها لتطوير بناها التحتية، وتحديث قطاعاتها الخدمية، وتوزيع الصفقات بين رجال الأعمال بطرق شفافة تكسر الاحتكار، وتوزع الأرباح بطريقة عادلة. وإذا كان "بو" يرهن عودته إلى موريتانيا باستعادة امتيازاته التي حازها بالفساد وانتشار الرشوة، والمتاجرة في الأبيض والأسود، فهو مقيم هناك ما أقام عسيب..

سيدي محمد بوجرانه