الأماكن هي المّلهم الأول لي وأقربها شوارع كيفان ومبنى «الكويتية» القديم
مكتبة البابطين من أبرز المكتبات التي تحترم القارئ وتحوي الكتب النادرة
دارين العلي
الأماكن مصدر إلهامها، وطريقها للتعبير عن مكنوناتها، تعرف نفسها بمجموعة من القراءات التي غذت روحها وشخصيتها، وصقلت موهبتها لتصبح الشاعرة مريم فضل.
شاعرة من جيل الثمانينيات، شاءت الظروف أن تجمعها بجيل الأوائل الذين أدخلوا الآدب الى الكويت شعرا وقصة ورواية، فتأثرت بهم وسارت على خطاهم الا انها لم تهمل الحداثة في الكتابة والأدب وفي الوقت ذاته لم تتخل عن جذور اللغة.
هي ضمن قلة من الذين يكتبون بالشعر الموزون والشعر الفصيح في منطقة الخليج، والسبب في العزوف عن الفصيح برأيها هو الهروب من اللغة ونحوها وقواعدها الى اللهجة العامية، حيث يكثر شعراؤها وقصائدها.
لقاء مطول مع «الأنباء» تناولت فيه الشاعرة مريم فضل هموم اللغة العربية، وقصدت من خلاله الأماكن التي ألهمتها ودفعتها الى الكتابة، وتحدثت فيه عن شؤون الشعر والشعراء، وفيما يلي التفاصيل:
بداية من هي مريم فضل؟مريم فضل عبارة عن مجموعة من القراءات لأدباء وأديبات أثروا في شخصيتي، لدي تعلق كبير بالجيل القديم والبحث في كتاباته، وكوني من جيل الثمانينيات قدر لي الله ان ألتقي بأول جيل افتتح عصر الكتابة الادبية في الكويت من شعر ورواية وقصة قصيرة، وربما يكون جيلي من أواخر الاجيال التي التقت بهؤلاء الأوائل، تأثرت بشعر الفصحى المغنى للشعراء المحليين والعرب أمثال عبدالله العتيبي وسعاد الصباح وعبدالرحمن الابنودي وجبران خليل جبران وغيرهم، وبالرغم من ذلك لا أهمل الحداثة في الكتابة والأدب، ولكنني أشعر أن التخلي عن جذور اللغة العربية لن يساعدني كشاعرة على النشأة الصحيحة في عالم الشعر والأدب.
منذ متى تكتبين الشعر وكيف اكتشفت حبك لهذا النوع من الأدب؟
٭كتبت أول قصيدة لي في عمر الـ14 عاما وتم نشر أول مقال في عمر الـ17 عاما، أما أول أمسية شعرية شاركت فيها فكانت في الجامعة الأميركية أيام الدراسة، وأنا بطبعي أحب الآدب والشعر له مكانة خاصة لأنه يمزج اللغة بالموسيقى كغذاء للروح.
فلنتحدث عن رصيدك الشعري، هل اصدرتم ديوانا وهل هناك طموح لذلك؟
٭ باعتقادي أن الشعر مسموع أكثر من أن يكون مقروءا، لذلك أركز على المشاركة في الامسيات الشعرية، وبالفعل شاركت في الكثير من الامسيات حيث لاقت قصائدي استحسان المستمعين، كأمسيات رابطة الادباء ومؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين، ونادي الشعر العربي في الجامعة الأمريكية والنوادي الشبابية المهتمة بالأدب، ولدي من القصائد ما يمكن ان يشكل ديوانا ولكني أركز على الإسماع أكثر إذ يحق للشاعر تكرار قصائده في الامسيات الشعرية، كما لدي عدد من المقالات الثقافية والاجتماعية والأدبية فأنا أقبل على الكتابة بحكم تخصصي في التحليل النقدي في الادب الانجليزي من الجامعة الأمريكية.
وما القصائد الأكثر قربا الى مريم فضل؟
٭ لي قصيدة بعنوان «مل صحبي» وهي تحتوي على عدد كبير من الحار بين سطورها من ضمنها نصرة المستضعفين والوجدانية والصداقة والحب، وقد لقيت الكثير من الاستحسان في أكثر من أمسية أقمتها، وفعلا أحب هذه القصيدة لأنها شاملة وتعبر عن الكثير من الظروف والمشاعر.
لكل شاعر ملهم، فما مصدر إلهامك؟
٭ الإلهام بالنسبة لي ليس بالأشخاص بل في الأماكن، وطبعا تأثرت بشعراء قدامى قرأت لهم وتابعت شخصياتهم ولكنني أخذت منهم ما يشبهني، حرصت دائما على عدم التقليد، ولكن ما يلهمني لكتابة قصائدي الأماكن القديمة التي أصبحت ذكرى من طفولتي أتجول بها وحولها وأحزن لأنها ستهدم بالرغم من أنها تشكل إرثا تاريخيا للكويت تعبر عن كويت الماضي.
وما هذه الاماكن التي ألهمتك وجعلتك تخلدينها في أشعارك؟
٭ بالإضافة إلى تخصصي في الأدب من الجامعة الأميركية، حصلت على دبلوم في القانون من هيئة التطبيقي وكانت الفترة التدريبية لي في اللجنة التشريعية في مجلس الأمة، وكنت في فترة راحتي أقصد مطعما مقابلا لمبنى الخطوط الجوية الكويتية هناك وكنت أنظر للمبنى وأعتبره كأنه مطار الكويت أجد فيه فرصة للهروب من أي شيء ومن كل شيء، خاصة ان المبنى كان يلفت انتباهي دائما عندما كنت طفلة يصطحبني والدي الى شركة المكتبات الكويتية التي كانت قريبة منه والتي أزيلت تماما الآن، أشعر بالحزن الشديد لأن مبنى الكويتية أيضا سيتم ازالته وهدمه بالرغم من أنه شاهد تاريخي للكويت، ومن الاماكن التي تلهمني أيضا منطقة كيفان وشوارعها حيث الولادة والنشأة، طفولتي وأصدقائي ومنزلي وكل ما فيها، وبعد انتقالي منها أشعر بأن جزءا من نفسي تركته في ذلك المكان، كما تشكل المباركية أكثر الاماكن الملهمة لي فمقر عملي هناك وانا أتجول بين ثناياها عند وقت راحتي أقصد سوق المناخ والمكاتب العقارية ومتحف مدرسة المباركية، كما كنت أفعل تماما في طفولتي عندما كان والدي يصحبني إلى هناك لتأدية أعماله.
نعرف أن لمكتبة البابطين مكانة مهمة بالنسبة لك، فما السر في ذلك؟
٭ نعم أنا أعتبرها أفضل مكتبة في الكويت تحتوي على الكتب النادرة وهناك احترام حقيقي للقارئ، وتشرفت بأنهم استضافوني في أمسياتهم، ويتابعونني بكل اهتمام في جميع خطواتي في عالم الشعر، وأجد لديهم كل ما أريد الاطلاع عليه في مختلف المجالات الأدبية، وباختصار أنا أشعر بالأمان الأدبي والفكري والراحة التي ينشدها أي شاعر في تغذية روحه.
غير الأماكن ما الأمور التي تؤثر على الشاعر؟
٭ الأماكن سبب رئيسي في تكوين شخصية الشاعر وكذلك السفر والترحال، ولكن هنا أريد أن أوضح أنه لا يمكن الحكم على الشاعر من قصائده فربما لا يكتب أجواءه الشخصية، لأن الشاعر مرهف الحس فيمكنه الدخول في تفاصيل الاشياء التي يراها ويمر بها ولديه مستوى عال من الوعي والادراك يجعله يرى في التفاصيل والاشخاص ما لا يراه آخرون فيكتب عنها وبها، فربما يكتب الشاعر في الحب والغزل وهو لم يحب يوما بل أثر به أحد المحبين، وربما يكتب في السياسة وهو غير متعمق بها، فعادة ما يكون هناك تناقض في شخصية الشاعر وربما الشاعر نزار قباني أكثر الشعراء الذين كان لديهم تناقض كبير بين شخصياتهم كشعراء وناس عاديين.
تكتبين الشعر بالفصحى سواء المقفى أو العمودي، ولكننا نجد ان الشعر العامي هو الأكثر انتشارا وخصوصا في دول الخليج العربي فلماذا لا تتوجهين إليه؟
٭ نعم الشعر الفصيح قليل جدا على مستوى الخليج والاسماء معدودة التي تكتب هذا الشعر، ما يجعل المنافسة سهلة، وكلنا نستمتع بسماع الشعر بالعامية ونحفظ بعضها أيضا إلا ان جمهور هذا الشعر يبقى محصورا بالمنطقة فليست كل الدول العربية تتقن لهجات بعضها، كما أن هذا الشعر لا يترجم ولا يدرس في الجامعات والمدارس، ولكن بمفهومي أرى ان كتابة الشعر باللهجة العامية عند البعض يحصل هروبا من اللغة العربية ونحوها وقواعدها، وبما أن الشعر أعلى مرتبة من مراتب الكتابة والكل يأمل في الحصول على هذا اللقب المضيء نجد زيادة في أعداد الشعراء العاميين لأن شعر الفصحى يحتاج الى قراءة معمقة في اللغة والنحو وعلم الأوزان (العروض).
هل تقصدين أن هناك ضعفا باللغة العربية كقواعد ونحو وما الى ذلك؟
٭ نعم فأنا درست في مدارس حكومية وكانت درجاتي في اللغة العربية عادية جدا، والسبب في ذلك عدم الاهتمام بما يجذب الطالب لهذه اللغة، فالمناهج تكرر القصائد وهناك سوء تقدير فيما يتناسب مع استيعاب الطالب كأن توضع قصيدة صعبة الفهم لطلاب المتوسط ما ينفرهم من المادة ويبعدهم عنها، ولذلك أنا وصلت الى هذه الدرجة من التعمق في اللغة عبر التعليم الذاتي والاحتكاك بالشعراء الكبار والتواصل مع الأدباء.
وما هو الحل لذلك برأيك؟
٭ يجب ان يلزم الطالب بحصص مكتبية للاطلاع على ما يستهويه وليس ما يفرض عليه، ومن ثم تقام ندوات ثقافية من أدباء وشعراء داخل المدارس وبشكل دوري لأن الالتقاء المباشر مع الشعراء والادباء يساهم في تعميق حب اللغة والاقبال عليها، كما يجب تكثيف حصص القراءة داخل المدارس واختيار المناهج التي تصلح لخدمة هذه اللغة وهي لغة القرآن التي يجب الاهتمام بها بشكل افضل.
قصيدة كيفان
كيفان*
سائلة أنا غيرى عن بعد قلبك..
هل ترى فرا أين الطفولة منك؟..
لست أرى مبنى المدارس أصبحت قفرا
لا أرض.. لا جدران لي فأنا منسية من شارعي قهرا
إن المباني أصبحت ذكرى والقلب أثخن إذ بها مرا لا أمر لي..
كل البيوت خلت من صار مطرودا ومن جرا والدرب حتى الدرب يرفضني إني أواصل مشيتي قسرا كيفان يا شغفي..
أجيبيني
كيف الوصول ولا أرى جسرا.
(قصيدة مل صحبي)
سألناكم وقد كنا حيارى
وما نبغي عتابا واجتنابا
فكم كانت رسائلنا إليكم
ولا نستقبل اليوم الجوابا؟!
وقد كنا أتيانكم هياما
نصافحكم ونرجوكم صحابا
كأني لم أكن يوما صديقا
فخذ بيدي وعلمني الصوابا
تجاهلني الصديق ومل صحبي
ورد يدي وأشعلني عذابا
وصرت أشك فيمن افتديه
فأرجع بعدما رحت انسكابا
فإني قد وصلت إلى طريق
أصارع في جوانبه اكتئابا
وما أمسيت آمل من بخيل
بل إني قد رجوت له الذهابا
ومثلك يعرف النسب الرفيعا
ومثلك لم ينل إلا الترابا
عزيز جئت من بلد عريق
إذا عاركتها صارت ذئابا
بلاد صاغها الرحمن طيبا
فلولا الحرب لأرتقت السحابا
وطفل في الديار تراه طفلا
وبالإرهاب قد عزى الشبابا
وأدمع من معارككم وأمسى
يناشد بالشعوب ورد خابا
وما ضاقت أياديهم ولكن
دعاة الحق قد باعوا الخطابا
فأيهم من الأقوام حابى؟
وأيهم تراهم قد أصابا؟
أيا قومي.. أيا صحبي أراكم؟
على التاريخ ترمون العتابا؟
نراكم قد أردتونا وصالا
وقد كنتم تريدون الغيابا؟
فلا نسعى نصافحكم نفاقا؟
وإن كنتم لنا الأمل العذابا!
نادي الأدب العربي في «الأمريكية»
من الامور التي تعتز بها الشاعرة مريم فضل، أنها أسست مع زملائها أثناء دراستها في الجامعة الأمريكية أول ناد عربي في جامعة خاصة، وتمت تسميته «نادي الادب العربي» الذي استضاف كبار الشخصيات في عالم الشعر والادب أمثال عبدالعزيز البابطين وخالد الشايجي وليلى العثمان، كما أقام العديد من الامسيات الشعرية الشبابية للشعر الفصحى وجلسات تحليل نقدي للقصائد الملقاة فيها.