يخرج العقيد اعل ولد محمد فال بين الفينة والأخرى في إطلالة باهتة وقصيرة على شعب لا يعرف عنه الكثير، ليتحدث في أمور لا يفقه عنها شيئا.. يلبس عباءة الحكيم طورا، وقبعة الثوري أطوارا، يوزع "النصائح" ويبكي "الديمقراطية" ويندب حظ "الوطن" العاثر...!
يخرج العقيد اعل ولد محمد فال بين الفينة والأخرى في إطلالة باهتة وقصيرة على شعب لا يعرف عنه الكثير، ليتحدث في أمور لا يفقه عنها شيئا.. يلبس عباءة الحكيم طورا، وقبعة الثوري أطوارا، يوزع "النصائح" ويبكي "الديمقراطية" ويندب حظ "الوطن" العاثر...!
آخر خرجات العقيد مدير الأمن الوطني في سنوات الجمر العشرين، كانت بيانه إلى قبة البرلمان، محرضا النواب والشيوخ على رفض التعديل الدستوري المقترح، متوعدا باسم الشعب- وهو بالمناسبة أكثر من 3%- بإسقاط هذه التعديلات حتى ولو وافق عليها البرلمانيون.
لا أحد يؤاخد العقيد أو يلومه، فالرجل جاهل بالأساليب الديمقراطية.. لم تفلح سنوات الرخاء والحرية غير المسبوقة في تلقينه درسا واحدا في أبجديات دولة المؤسسات الدستورية، وإلا فليس ثمة ما يبرر مخاطبة هيئة دستورية بحجم البرلمان بلغة كهذه التي تضمنها بيان العقيد.
ينتمي العقيد اعل ولد محمد فال "فكريا" إلى عصور الكبت وسنوات القتل والاختطاف والاختفاء القسري، وهو جلاد بارع، وقاتل محترف، لا يترك أثرا للجريمة، تسره مناظر المصفدين بالسلاسل والأغلال، ويطربه عويل الثكالى وبكاء أبناء المختفين من سجناء الرأي، في زنازين إدارة "الأمن" التي ظلت مصدرا للخوف على مدى 20 عاما، استعاد فيها العقيد تجارب العصور الوسطى في التعذيب، ومحاكم التفتيش الاسبانية، واستورد جزءا من تاريخ "تازمامارت" المغربية، وسجن "الباستيل" الفرنسي، وأضاف إليها من عنده..
وحين تطهرت البلاد من دنس مدير الأمن وشلة الحكم البائد، وفتح العزيز الباب رحبا لمن هب ودب، "أن أبشروا فقد ولى عهد الديكتاتورية إلى الأبد" توهم العقيد أنه رجل المرحلة، فخاض انتخابات الرئاسة 2009 ليخرج في شوطها الأول بنتيجة الـ3%، ويلتحق بركب العاجزين عن الثورة، يصول معهم ويجول في شوارع العاصمة، ويختفي عنهم في لمح البصر حين تلوح سيارات الأمن من بعيد.
اكتشف الرجل قدره، فخرج من البلاد هائما على وجهه، يتسكع على أبواب مراكز اللوبي الصهيوني في باريس وواشنطن ولندن، ذارفا الدموع على ضحايا "المحرقة" النازية، معتذرا عن إغلاق وكر التجسس الصهيوني في عاصمة المرابطين على يد الرئيس محمد ولد عبد العزيز في يوم مشهود من مارس 2009.
عاد اعل إلى نواكشوط من جديد بعد جولات أوروبية لم يدخر خلالها وقتا ولا جهدا لتشويه صورة النظام، وبين الفينة والفينة يخرج إلى الرأي العام ببيان أو تصريح، يبكي فيه "مآل" البلد، ويتحسر على مستقبله "الضائع".... مخطئ من ظن يوما..
نحن لا نريد أن نخسر طاقة الرجل وتجربته الغنية في العمالة، والتعذيب، وكبت الحريات، وجمع المال، ونقترح عليه وعلى المسؤولين في الدولة الاحتفاظ بهذا السجل الطويل، والخبرة الواسعة، بعد أن انتهت صلاحية مفعولها هنا، وتصديرها لأنظمة أخرى هي في أمس الحاجة إليها، لاستخدامها عند الضرورة، فقد تكون أجدى هناك وأنفع، مع ضمان عائدات ضخمة ستضاف لرصيد العقيد المالي الهائل، الذي لا أحد يعرف من اين اكتسبه..؟!
سيدي محمد ولد ابه