الصراع الموريتاني السنغالي على غامبيا يعود جذوره الى الثمانينات القرن الماضي بعد ان تدخلت السنغال عسكريا في غامبيا لإعادة الرئيس "جاوارا" الى الحكم بعد الانقلاب عليه وبعد ذلك تم تأسيس اتحاد بين الدولتين سمي "السنغامبيا" وتفكك بعد ثماني سنوات اي سنة 1989،
وفي منتصف التسعينات وتحديدا سنة 1994 حدث انقلاب عسكري جديد اطاح بحليف السنغال "جاوارا" وتزعم الانقلاب الملازم اول "يحي جاميه" ذلك الشاب الطموح الذي حاول ان يكون بعيدا عن نفوذ وسيطرة السنغال التي حاولت ان تطيح به اكثر من مرة لولا الدعم الموريتاني له خاصة في حقبة الرئيس معاوية ولد الطايع الذي كان ابرز داعميه ومؤيديه وكان اي جاميه بمثابة بيدق في يد موريتانيا واستطاع ان يستفيد منها وان تستفيد منه هي الأخرى كان ورقة ضغط لها تستعمله متى شاءت ضد السنغال.
بينما كانت موريتانيا هي الضامن له من اي اجتياح سنغالي لدولته الصغيرة التي تحدها من كل جانب ماعدا الجانب الغربي الذي يطل على المحيط الاطلسي وظلت واقفة اي موريتانيا في وجه السنغال في غامبيا ومحافظة على دورها المؤثر في صناعة القرار القامبي ويظهر ذلك جليا في الأزمة الأخيرة عندما حاولت السنغال ان تقفز على الدور الموريتاني ولكنها لم تفلح في ذلك رغم انها تؤيدها دول اقليمية كبيرة مثل نيجيريا وبقية دول غرب افريقيا ومعها ايضا الشرعية الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة والإتحاد الافريقي.
ومع هذا الدعم كله لم تصمد امام الضغط الموريتاني الذي أحس ان السنغال تحاول ان تضر بمصالحه في حديقتها الخلفية غامبيا وهو طبعا عمل غير ودي من السنغال تجاه جارتها الشمالية لذلك استشاط الرئيس محمد ولد عبالعزيز غضبا من غدر حكام دكار واعتبر ذلك طعنا في الظهر وخشي من تكرار سيناريو 1989المؤلم في غامبيا الذي كان قد حدث في السنغال عندما تعرض الموريتانيين للقتل والتشريد واغتصاب ممتلكاتهم وهو ماكاد ان يشعل حربا بين الجارتين لولا ان رضخت السنغال في الأخير خاصة بعد تدخل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي كان موقفه حاسما في تغيير موازين القوة لصالح موريتانيا بعد ان قام بدعمها دبلوماسيا وماليا وعسكريا .
وهو ماجعل السنغال تتراجع عن فكرة الحرب بعد تحذير فرنسا لها وهي التي كانت تدعمها ولكن باريس خشيت من حرب اقليمية مفتوحة بعد الدعم العراقي لأنواكشوط وهو مايعني ان فرنسا ستكون اكبر الخاسرين من هذه المغامرة غير المحسوبة العواقب لذلك وضعت بكامل ثقلها لكي توقف هذه المناوشات بعد شعورها بخطر يهدد حليفتها السنغال وانتهت تلك الأزمة عن طرق القنوات الدبلوماسية.
ولكن التوتر بقي هو السائد بينهما وما الاحداث الأخيرة التي نمر بها اليوم إلا حلقة من ذلك الصراع الذي هو يلخص الحالة التنافسية بين البلدين والتي زادته أزمة غامبيا الأخيرة التي اوشكت على ان تقطع شعرة معاوية بين الجارتين لولا انقاذ السنغال للموقف وتأييدها للمبادرة الموريتانية في غامبيا في لحظاتها الأخيرة!
ختاما يمكن القول ان موريتانيا تاريخيا دائما تخرج من مطبات ومؤامرات السنغال بحكمة وقوة اكبر وتتجاوز الأزمة معها دون ان تقدم اي تنازل ولكن السؤال المطروح الآن هل ستحافظ موريتانيا على نفوذها في غامبيا بعد رحيل جاميه عن السلطة؟ام انه سيتراجع لصالح الجارة المشاكسة السنغال؟
سيد المختار ولد احمد